الجمعة 27 كانون الأول (ديسمبر) 2013

عام التحديات والاستحقاقات الشرق أوسطية

الجمعة 27 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. خليل حسين

في عام واحد تجمعت كل تفاصيل التحديات القلقة في منطقة هي أشد المناطق حساسية في العالم . فكان العام 2013 من الأعوام التي فرضت إرادتها على غير نظام إقليمي ومنها العربي، المرتبط أصلاً بفواعل إقليمية غير عربية . تحديات واستحقاقات نوعية ينتظرها العام 2014 في ظل متغيرات تبدو متسارعة وغريبة وغير مفهومة في أحيان كثيرة .
في المقلب العربي أولاً، ثمة ثلاث سنوات من عمر الحراك الذي تفشى في غير نظام، وبدا وكأنه الملهم والمخلص لمجتمعات رزحت عقوداً ودهوراً تحت أوضاع لا تعرف سبيلاً للهروب منها، فكانت وقائع محاولات التغيير وبالاً لم تتمناه يوماً؛ مزيداً من الانهيارات في النظم القائمة، انقسامات عمودية مجتمعية هائلة وصلت إلى حد الاحتراب الأهلي بمختلف تلاوينه العرقية والاتنية والطائفية والمذهبية، انهيارات اقتصادية ومالية غير مسبوقة، باختصار انحدار متسارع نحو الهاوية، في وقت ما زالت الحلول مسدودة الأفق، في ظل بروز ظاهرة الإرهاب بمختلف اوجهها في مجتمعات عربية كثيرة .
في سوريا وليبيا واليمن والعراق حيث لغة القتل والدم هي السائدة، ودول أخرى تنتظر دورها كالسودان ولبنان وبعض دول المغرب العربي كما بعض دول مشرقها، في وقت تفوح رائحة حراك المؤتمرات التي تؤجج الخلافات والانقسامات بدل تهدئتها . والمفارقة الأغرب في هذا الإطار أن بعض مشاريع الحلول ومنها مؤتمر “جنيف 2” مثلاً رُبط فيه أكثر من أزمة إقليمية عربية وغير عربية، حتى بات انعقاده مشكلة بحد ذاتها قبل أن يكون مشروع حل . فأول تحدياته تكمن في كيفية فصل الأزمات لا ربطها، في وقت ما زالت الفواعل الإقليمية تبحث عن وسائل التعقيد والاشتباك فيه، وعلى سبيل المثال لا الحصر ربط الأزمة السورية باللبنانية .
في المقلب “الإسرائيلي” يبدو أن العام 2014 سيكون عام الاستحقاقات العسكرية والأمنية هروباً من السياسية، حيث تتجه إلى مزيد من الحشر والضغط، هزائم متتالية، في ظل عدم تقديم الجديد في إطار السلام المفترض على غير جبهة عربية وبخاصة الفلسطينية، في وقت ما زالت ترزح تحت ضغط خلل في موازين القوى المعنوية بعد هزيمتي 2006 مع المقاومة اللبنانية و2009 مع المقاومة الفلسطينية في غزة . في وقت تحاول “إسرائيل” تعويض هذا الخلل في حفلة التقاتل والانقسامات العربية الذاتية والموضوعية . لذا هي مضطرة للميل باتجاه خطوات تشكل نوعاً من التحدي الاضافي، وبالتأكيد لن تقدم أي تنازل في أي ملف، بقدر ما سيكون توجهاً نحو خيارات أمنية وعسكرية اعتادت عليها لكسر التوازنات التي لا تكون طرفاً قوياً فيها، وفي هذا المجال تحديدًا من الصعب التوجه في المدى المنظور باتجاه الاستحقاق الإيراني مثلاً، لعدم الاجماع الغربي وبالتحديد الأمريكي، وبالتالي أن الاتجاهات المحتملة نحو النقطة الأضعف وهي الجهة الفلسطينية أولاً بعد تعثر مبادرة كيري الأخيرة، وكذلك المزيد من الضغوط باتجاه الأزمة اللبنانية والسورية معاً .
في المقلب الإيراني، ثمة استحقاقات وتحديات قوية تلامس جوهر الاستراتيجية السياسية والأمنية والعسكرية التي بنى النظام علاقاته وتحالفاته عليها وبخاصة في العقد الأخير . فاتفاق الإطار الموقع مع الدول الست بدأ تعداد التنازل العكسي فيه، فالنصف الأول من العام 2014 سيكون عام اتخاذ القرارات الصعبة وبخاصة الملف النووي الذي بات هامش المناورة فيه يضيق شيئاً فشيئاً . لقد دخلت طهران ما يشبه صفقة العصر مع الغرب، هي بحاجة لإعادة ترتيب أوراقها في ظل ضغوط اقتصادية داخلية وازنة جراء العقوبات المفروضة، وكذلك اضطرارها لتقديم برامج حلول واضحة في غير ملف سياسي وأمني في المنطقة، من بينها ملف الأزمة السورية وربطاً اللبنانية، ناهيك عن جملة الأجوبة عن الأسئلة المثارة في علاقاتها مع الدول العربية الخليجية .
في المقلب التركي، ثمة تحديات وجودية لحزب العدالة والتنمية في السلطة، بعد تمدد تركيا في غير أزمة إقليمية ، إذ بدت غير قادرة في الوقت الراهن على إدارة الأزمات الداخلية والخارجية التي زجت نفسها بها، وبالتالي هي أمام استحقاقات كبيرة من النوع الذي يعيدها إلى حجمها الاقليمي المفترض . ما يعيد خلط الأوراق الاقليمية وبخاصة الفواعل الوازنة كإيران و“إسرائيل” .
وسط كل ذلك ،ثمة بوادر لمتغيرات دولية في إطار إعادة رسم نسيج نظام دولي جديد، بدأ يتجه نحو تعدد الأقطاب، بعد انحسار وضمور المد الأمريكي في غير منطقة، منها الانسحاب من العراق وقريباً من أفغانستان، وصولاً إلى ضغط مجموعة “البركس” بقيادة روسيا ونسبياً الصين . ما يدفع غير لاعب إقليمي على لعبة الشد والجذب لتحسين المواقع وشروط التفاوض .
العرب ربما هم الوحيدون في عالم اليوم، الذين بحاجة إلى إعادة قراءة متأنية لمجمل ظروفهم الذاتية والموضوعية، بهدف العودة إلى تاريخهم الضائع وجغرافيتهم التي تكاد تهرب منهم أو يطردون منها . باختصار نحن مضطرون للإجابة عن تحديات واستحقاقات وجودية، منها أي أنظمة حكم نريد؟ كيف الوصول إليها؟ أين نحن من المتغيرات الدولية الهائلة؟ كيف نبني مجتمعاتنا؟ وقبل كل ذلك كيف نبني عقولنا وسلوكنا؟ أسئلة لا تكاد تنتهي مع عام يحمل كل أنواع التحديات والاستحقاقات الوازنة في حياة الأمم والشعوب!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178481

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178481 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40