الخميس 26 كانون الأول (ديسمبر) 2013

العرب والانقسام الفلسطيني والمفاوضات

الخميس 26 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par عوني صادق

يعتبر في حكم المؤكد أن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، سيصل نهاية الشهر إلى فلسطين المحتلة ومعه وفد مكون من مئة وخمسين خبيراً وموظفاً متخصصاً في مختلف قضايا المفاوضات، ما رجح جدية التسريبات القائلة بإصراره على التوصل إلى “اتفاق إطار” توافق عليه السلطة الفلسطينية والحكومة “الإسرائيلية”، أو على الأقل يمهد للتوصل إلى هذا “الاتفاق” قبل انتهاء المدة التي قيد نفسه بها والتي تحل في 29 إبريل/نيسان المقبل .
ويعتبر التوصل إلى “اتفاق الإطار” هذا تحايلا على تمديد مدة المفاوضات، من دون أن يظهر أنه جرى مثل هذا التمديد . وكان صائب عريقات، رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، أوضح ذلك بقوله: “نحن لا نتكلم عن اتفاقية سلام في 29 إبريل/نيسان، بل نتحدث عن اتفاق إطار يكون بين المبادئ والمعاهدة”! وأضاف: “وإذا توصلنا إلى اتفاق إطار قبل 29 إبريل/نيسان، يلزمنا 6-12 شهراً في أفضل الحالات لصياغة معاهدة سلام كاملة”! وهكذا يتم التمديد للمفاوضات ليس لاثني عشر شهراً، بل سيكون تمديداً مفتوحاً بحجة التوصل إلى “اتفاق الإطار” الذي يجعل الحديث عن “معاهدة سلام كاملة” ممكناً! وبالنسبة إلى عريقات الأمر عادي جداً ما دامت “الحياة مفاوضات” .
ويعود كيري في زيارته المرتقبة، على خلفية الاجتماع الطارئ للجامعة العربية على المستوى الوزاري الذي عقد في القاهرة بناء على طلب السلطة الفلسطينية، واستمرار الانقسام الفلسطيني، بحيث يصبح الحديث عن رفض “الضغوط” التي يمارسها مجرد لغو فارغ! فمن جهة، ما زال الوضع الفلسطيني يعاني أكثر من انقسام، أخطرها ذلك الذي بين حركتي (فتح) و(حماس) في وقت يظهر فيه الحديث عن (المصالحة) ليس أكثر من محاولة فاشلة لتبرئة الذمم ! يضاف إلى هذا الانقسام الخلافات والنزاعات داخل الحركتين . وإذا كانت خلافات (فتح) طافية على السطح ووصلت إلى حد الضرب والفصل للقياديين، فإن خلافات (حماس) تظل تحت السطح لكنها تظهر أحياناً في تصريحات بعض القياديين فيها أيضاً .
وفي قائمة الانقسامات الفلسطينية أيضاً، يمكن أن ندرج الخلافات داخل معسكر أنصار المفاوضات الجارية، وإن كنا لا نستبعد أن تكون بسبب التسيب، أو توزيع الأدوار . فبينما يرفض الرئيس محمود عباس ما يسمى “الخطة الأمنية” التي يتمحور حولها نشاط كيري، ينفي صائب عريقات أن تكون هناك “خطة أمنية” حملها كيري أصلاً، ويراها مجرد “أفكار” لا تسمح بقبولها أو رفضها! وبينما يؤكد أكثر من قيادي في حركة (فتح)، وفي الوفد المفاوض أيضاً، أن هذه المفاوضات “ستؤدي إلى حمل كاذب”، و“أن الفجوة بيننننا وبين”الإسرائيليين“تتسع بدل أن تضيق”، كما صرح بذلك عضو الوفد المستقيل، عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)، محمد اشتية، يؤكد عريقات أن الإمكانية في التوصل إلى “اتفاق إطار” قبل 29 إبريل/ نيسان لا تزال قائمة! وبينما يقول عضو اللجنة المركزية والقائد الأول لمفاوضات أوسلو، أحمد قريع: “إن تمديد المفاوضات يعني إعطاء مزيد من الوقت لتوسيع الاستيطان ونهب الأرض وتهويد القدس”، يثمن عريقات واشتية وبقية المعسكر جهود كيري ومساعيه لتحقيق هذا الاتفاق .
وفي الوقت الذي صرح الرئيس محمود عباس، بعد وصوله إلى القاهرة، وقبل أن يجتمع مجلس الجامعة العربية، أنه يرفض أية حلول انتقائية أو انتقالية أو مرحلية، ويرفض أي تمديد للمفاوضات، وأنه “يجب البحث عن حل نهائي فقط”، يخرج الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ليعلن أن “اللقاء مع الرئيس عباس كان مهماً جداً”، حيث أطلعه على الموقف الحالي للمفاوضات، وليضيف قائلاً: “لا أقبل كلمة فشل لأن المفاوضات لم تفشل بعد، وإن شاء الله ستنجح”! وقد يتساءل المراقب من أين جاءت هذه الثقة لأمين عام الجامعة العربية؟ والحقيقة أن السيد العربي استمد ثقته من قناعته أن “هناك إصراراً من القيادة الفلسطينية والدول العربية والمجتمع الدولي والولايات المتحدة على أنه يجب إنهاء هذا النزاع”، هكذا، وكأن الإصرار اللفظي على إنهاء هذا “النزاع” ظهر اليوم أو قبل سنة، ولم يكن موجوداً على المستوى منذ أكثر من ستة عقود، أو أن المفاوضات التي يتحدث عنها الأمين العام لم تبدأ منذ عشرين عاماً .
لقد صدر في نهاية الاجتماع الوزاري للجامعة العربية بيان حمل المجلس فيه “إسرائيل” المسؤولية عن تعثر المفاوضات، وطالب الولايات المتحدة و“المجتمع الدولي” بإلزامها بوقف نشاطاتها الاستيطانية، ولم يكن منتظراً من الجامعة أن يتضمن بيانها أكثر من ذلك! أما رد فعل الفصائل الفلسطينية فلم يزد بدوره على اتهام الجامعة ودولها بالتبعية لواشنطن وممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية لتقبل بمقترحات كيري، وكأنها بذلك تبرر لأنصار المفاوضات موافقتهم المحتملة على ما سيعرضه الوزير الأمريكي .
ومع أن نتنياهو وحكومته لا يصغيان كثيراً لتصريحات المسؤولين الفلسطينيين والعرب، ويواصلان برامجهما الاستيطانية والتهويدية، إلا أن نتنياهو استبق اجتماع الجامعة بيومين، بكلمة في اجتماع لحزب (الليكود)، أكد فيها “التزام حكومته بمواصلة البناء في المستوطنات وتطوير المشروع الاستيطاني باستمرار ودون توقف”! إن قراءة إعلان نتنياهو في ضوء بيان المجلس الوزاري للجامعة العربية يطرح جملة تساؤلات ليس حول مواقف الولايات المتحدة وما يسمى “المجتمع الدولي” التي باتت معروفة للجميع، بل أساساً حول الموقف العربي الذي يأتي غطاء، حتى لا نقول ضغطاً، وتبريراً للسلطة الفلسطينية لتقدم مزيداً من التنازلات والتفريط في حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165760

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165760 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010