الأربعاء 25 كانون الأول (ديسمبر) 2013

أي حل في سوريا؟

الأربعاء 25 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. أيمن مصطفى

الرد الجاهز لدى أي طرف من أطراف الصراع السوري تسأله عن المخرج هو “ضرورة التسوية السياسية للأزمة”. وربما تسمع من البعض ـ خاصة الأطراف الاقليمية أو الدولية المعنية ـ مقولات تعود بك إلى كتاب كلاوتزفتس الشهير (عن الحرب) وكيف أن الحرب ما هي إلا أداة على طريق الدبلوماسية. مع ذلك لا يتوقف القتال في انحاء سوريا، وتحصي وكالات الانباء الأعداد المتزايدة يوميًّا ويسعى كل من طرفي الصراع إلى تعزيز مكتسباته على الأرض كلما كانت هناك مفاوضات محتملة للتسوية وتجري المشاورات هنا وهناك بشأن دعم هذا الطرف أو ذاك بمساعدات “قتالية خفيفة” أو “غير مميتة”!!!
والآن، مع الاستعداد لعقد مؤتمر جنيف2، يشتد القتال حول دمشق وفي الشمال في حلب وحولها مع محاولة الحكومة السورية تعزيز وضعها على الأرض كي لا تضطر إلى تقديم تنازلات لأي طرف معارض يشارك في المؤتمر. في الوقت نفسه تسعى فصائل المسلحين لتعزيز مكتسباتها التي تعتبرها اوراقا للتفاوض من اجل اي تسوية. واذا سحبنا تلك التطورات قليلا سنجد ان كلا من طرفي الصراع على الأرض داخل سوريا يحاول توفير ادوات للأطراف الاقليمية والدولية الداعمة له تساعدهم في التفاوض. فالحكومة السورية لا تريد ان تذهب، ومعها حلفاؤها مثل ايران وروسيا والصين، إلى مفاوضات بينما تحتل الفصائل المسلحة قطاعات واسعة من البلاد وتستطيع استهداف دمشق أو اللاذقية. اما المعارضة، فوضعها في الواقع يزداد سوءا منذ بدأ حزب الله اللبناني في دعم الجيش السوري لاستعادة بعض المواقع القريبة من حدود لبنان من ايدي المعارضة.
تبدو مواقف الاطراف المحلية واضحة: الحكومة ترى المعارضة المسلحة مجرد متمردين على سلطة الدولة وارهابيين من الخارج يريدون اقامة امارة اسلامية متطرفة، والمعارضة تريد اسقاط النظام والسيطرة على سوريا. لكن مواقف الاطراف الدولية (روسيا والصين من ناحية واميركا واوروبا الغربية من ناحية) والاطراف الاقليمية (السعودية وايران بشكل رئيسي) تبدو اكثر تعقيدا وتشابكا. ربما كان ذلك منطقيا، لتباين وتعدد مصالح تلك الاطراف الخارجية وبالتالي موقع الازمة السورية منها. كما ان هناك ايضا تجاذبات تلك الاطراف الاقليمية والدولية فيما بينها، ومهما كانت اهمية الازمة السورية الا انها في النهاية واحدة من تلك التجاذبات والمصالح. ولعل الموقف من ايران يعد خير نموذج على ذلك، اقليميا ودوليا على السواء.
واذا كانت الحكومة السورية، وحلفاؤها الاقليميون مثل ايران وحزب الله واصدقاؤها مثل روسيا والصين، تستهدف حلا سياسيا يقلل من انهاكها عسكريا ويضمن وقف تدفق السلاح و“المجاهدين” إلى المعارضة فإن المعارضة تبدو منقسمة بشأن ما تريده أو تطرح سقفا عاليا للمطالب بغية ان يظل الصراع حتى يحسم عسكريا او ينهار النظام نتيجة الاضطرابات الدموية طويلة الأمد. والمشكلة بالأساس في انه لا توجد معارضة سورية متماسكة يمكن الحديث عنها ككتلة اساسية تفاوض باسم "طرف
آخر“مقابل الحكومة. فمنذ بدأ الصراع المسلح وقوى اقليمية تدعم اطرافا متباينة ـ كادت في بعض الاحيان ان تكون افرادا ـ لا يجمعهم سوى السعي لإسقاط النظام لتحقيق مكاسب. لهذا تعثرت محاولات ائتلافات المعارضة، وحتى ذراعها المسلح الذي بدأ بما سمي”الجيش السوري الحر“انتهى به الامر الى التشرذم حتى اختفى تقريبا. ولا توجد كتلة مسلحة معارضة للحكومة السورية متماسكة وتحقق مكاسب على الارض سوى جماعات”الجهاديين“واغلبهم من الأجانب المرتبطين بتنظيم القاعدة أو يحملون عقيدة مشابهة. وكسبت الحكومة كثيرا بذلك لأنه منحها المصداقية في تصوير الصراع على انه كفاح ضد”الارهاب".
وحتى المحاولات الاخيرة لدعم وتعزيز مجموعات مسلحة انضوت تحت لواء ما سمي “الجبهة الاسلامية” له مخاطره بالنسبة للقوى الاقليمية والدولية الداعمة للمعارضة. فتلك الجماعات تحمل في داخلها ما كان يعيب التكوينات السابقة، اضف الى ذلك انها قريبة من تنظيم الاخوان في سوريا ـ وهي معضلة لأن القوى الاقليمية لا تتفق مع الرعاة الدوليين (اميركا واوروبا وتركيا) في دعم الاخوان. في الوقت نفسه، تواجه الجبهة الاسلامية ـ ومن ورائها اقليميا ودوليا ـ مشكلة الجماعات المتطرفة مثل النصرة وغيرها. اضف الى ذلك ان القوى الداعمة للمعارضة مختلفة اساسا بشأن ما تتصوره لحل في سوريا: فبعضها متشدد يرى ان تغيير النظام هو المستهدف بغض النظر عما يحدث لسوريا بعد ذلك، ولا يعبأ هؤلاء بأي تبعات اقليمية ـ وليس فقط داخل سوريا ـ لمثل هذه النهاية وبغض النظر عن الفوضى التي لن توفر لبنان وسرويا والعراق وتركيا وغيرها من دول الجوار السوري ومحيطه. والبعض الآخر، وان كان هدفه في النهاية تغيير النظام، الا انه لا يريد خلق فراغ من النيران التي لا يعرف مداها قد يصيب اسرائيل.
اما الاطراف التي تريد فعلا تسوية سياسية تحافظ على وحدة سوريا ـ حتى رغم ضعفها ـ ووجود حكم مركزي بشكل او بآخر فإن صوتها يضيع وسط تضارب المصالح وتشدد الغايات للأطراف الأخرى. المهم أنه حتى لو انعقد مؤتمر جنيف2، وبمشاركة كافة الاطراف، فإن فرصة التوصل إلى حل تبدو غير كبيرة. وما لم يحقق طرف من الطرفين المتصارعين على الارض انجازا يمكنه من فرض تصور للحل لا تملك الاطراف الاخرى النية ولا القدرة على فرض حل في سوريا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2180615

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2180615 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40