الأحد 22 كانون الأول (ديسمبر) 2013

الإنكار .. (برانويا) السلطة والسياسة

بقلم:محمد عبدالصادق
الأحد 22 كانون الأول (ديسمبر) 2013

الإنكار في علم النفس هو نوع من الدفاع النفسي القائم على الرفض , وعدم القبول يستخدمه الشخص لمواجهة حقيقة غير مريحة أو مؤلمة.
فنجد الأب ينكر حق أبنائه في الاختيار والاستقلال, رافضاً الاعتراف بأنهم شبوا عن الطوق وأصبحوا رجالاً؛ فيسخر من تصرفاتهم ويسفه آراءهم, وتنكر الأم مرور الزمن وتظل تعامل أولادها مهما كبروا على أنهم أطفال, كما قد ينكر رب العمل فضل موظفيه في الإنتاج ويرجع نجاح مؤسسته لعبقريته في الإدارة ودأبه الذي لاينام, وينكر الطالب تقصيره في تحصيل دروسه ويرجع فشله لاضطهاد المدرسين وفساد التعليم.
وأخطر أنواع الإنكار هو إنكار بعض القادة والزعماء مسؤوليتهم عن الأخطاء أو وجود معارضين لسياساتهم ويتخيلون أنهم معصومون ولا يرضون بغير التأييد والرضا من الجميع بحكمهم.
وللأسف الشديد هناك إنه كان يعاني من التهميش واضطهاد زملائه في مجلس قيادة الثورة الذين لم يغفروا له تغيبه يوم 23 يوليو ليلة قيام الثورة حيث اختفى تماما عن الأنظار وتبين بعد ذلك أنه اصطحب زوجته إلى حفلة 9ـ 12بسينما المنيل المجاورة لمنزله وأرجع بعض المغرضين ذلك التصرف من السادات لتعمده مسك العصى من المنتصف فإذا نجحت الثورة فهو من الضباط الأحرار وإذا فشلت فبطاقة دخول السينما تحميه من حبل المشنقة ولولا وقوف جمال عبدالناصر بجانبه لأطاح المجلس به خصوصاً صلاح سالم الذي لم يكن يستلطفه, لكن السادات واجه الموقف بدهاء ولؤم (الفلاحين) فامتص ثورة زملائه ولم يزاحمهم في توزيع المناصب وادعى الزهد و(الدروشة) حتى أمنوا جانبه وبفضل ذلك ظل الوحيد من مجلس قيادة الثورة الذي لم يطح به خلال ثمانية عشر عاما هي فترة حكم نجيب وعبد الناصر التي تساقط خلالها الثوار تباعاً بل اختاره ناصر ليكون نائبا له قبل وفاته بأشهر قليلة. ونتيجة لذلك تولى رئاسة الجمهورية عقب الرحيل المفاجئ للزعيم, واحتفظ السادات بكل الوزراء والموظفين الذين عينهم عبد الناصر وقرر مهادنتهم وتأكيد الانطباع السائد لديهم من أنه ضعيف وقليل الحيلة وظل يردد على مسامع سامي شرف مدير مكتبه وشمس بدران وشعراوي جمعة وزيري الحربية والداخلية آنذاك أنه يعاني من مرض في القلب وأن الأطباء حذروه من الانفعال وأخذ يوصيهم خيراً بزوجته وأولاده إذا حدث له مكروه حتى صدقوه وأخذوا يتصرفون من تلقاء أنفسهم وكأن رئيس الجمهورية غير موجود بل تناولوه في جلساتهم الخاصة بالنكات والسخرية والتهكم غافلين تماما أن السادات يتجسس عليهم ويسجل مكالماتهم حتى أوقع بهم على حين غرة وأودعهم السجون ودانت له السلطة والحكم بعد ذلك.
وعقب نصر اكتوبر 1973م ونجاح الجيش المصري في عبور قناة السويس وهزيمة العدو الصهيوني تحول السادات إلى بطل قومي وزادت شعبيته وظن أنه تخلص من شبح عبدالناصر للأبد فبدأ في تطبيق سياساته التي يؤمن بها والقائمة على الانفتاح على أميركا والغرب وتقليص دور الدولة وتشجيع القطاع الخاص, فرفع الحراسة عن أموال الاقطاعيين وألغى التأميم وسمح بعودة الطيور المهاجرة في الحقبة الناصرية ولكن للأسف لم يكتب لهذه السياسات النجاح بسبب انتشار الفساد وانحسار الاستثمار في المجالات الاستهلاكية ونشوء طبقة طفيلية حققت ثروات على حساب الشعب الفقير ولكن السادات أنكر الفشل وصمم على المضي قدماً في سياسة الانفتاح واقتصاديات السوق حتى النهاية.
وعقب إعلان تخفيض الدعم عن الوقود والخبز اندلعت انتفاضة 18و19يناير 1977م واشتعلت القاهرة وخرج الناس للشوارع بالملايين وكان الهتاف الشهير (سيد بيه يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه) وكانوا يقصدون المهندس سيد مرعي وزير الزراعة وصهر السادات وكادت الانتفاضة الشعبية تطيح بنظام السادات بعدما عجزت الشرطة عن التصدي لها, لولا لجوء السادات للفريق عبد الغني الجمسي وزير الحربية في ذلك الوقت الذي اشترط لنزول الجيش إلغاء القرارات الاقتصادية المتعلقة بالدعم.
وأنكر السادات مشاركة المصريين الحقيقيين في الانتفاضة وأصر أن الشيوعيين هم من يقفون وراء هذه الأحداث وأطلق عليها انتفاضة الحرامية.
حتى كانت زيارته للقدس وتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل وانقسم الشعب بين مؤيد ومعارض ولكن السادات لم يلتفت للأصوات المعارضة واعتبرها قلة منتفعة من استمرار الصراع العربي الاسرائيلي, ووصل لمرحلة من النرجسية والإنكار لدرجة جمع كل المعارضين من كافة الاتجاهات والتيارات والأعمار وزج بهم في السجون حتى وصل عددهم لألف وخمسمائة معتقل من بينهم محمد حسنين هيكل وفؤاد سراج الدين والبابا شنودة وغيرهم من رجال السياسة والثقافة والصحافة والإعلام. وظل السادات ينكر وجود معارضين لكامب ديفيد حتى وفاته حتى عندما قفز الملازم أول خالد الاسلامبولى من السيارة العسكرية المشاركة في العرض العسكري لانتصارات اكتوبر واتجه إلى المنصة التي يتصدرها الرئيس ظن السادات أنها فقرة استعراضية تؤديها القوات وهمّ بالوقوف لإلقاء التحية العسكرية ولكنه تلقى طلقات الاسلامبولي في صدره ورقبته وسط حراسه وجنوده, وتحكي زوجته أنه رفض ارتداء واقي الرصاص وقال: كيف اخاف وأنا وسط أولادي, بل إن النبوي اسماعيل وزير داخليته عرض عليه شريطا مصوراً لبروفة لعملية المنصة يظهر فيها عبود الزمر (ضابط المخابرات المفصول من الخدمة وعضو تنظيم الجهاد) وطلب من السادات إلغاء العرض العسكري ولكن السادات بسبب حالة الإنكار التي كانت تسيطر عليه ـ استخف بكلام النبوي واستنكر سيطرة الهاجس الأمني على تفكيره مردداً:“الشعب كله يقف معي والمعارضون أقلية لا وجود لها في الشارع” .
وحالة الإنكار تسببت في تحول حسني مبارك لرئيس مخلوع برفضه التخلي عن كرسي الرئاسة في 2005م وتصميمه على الجلوس عليه حتى الرمق الأخير رافضاً نصيحة المخلصين من مستشاريه بالخروج الآمن ولو كان فعل ذلك لنجا بجلده من المصير المؤسف الذي انتهى إليه.
ولكنه العند والإنكار جعله يقف قبل أيام قليلة من الإطاحة به يقول عندما سئل عن اعتراض المعارضة على تزوير الانتخابات: “خليهم يتسلوا”

Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2166101

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2166101 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010