السبت 21 كانون الأول (ديسمبر) 2013

“طبخة كيري”

السبت 21 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par عوني صادق

التناقض الواضح في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، حول المفاوضات الجارية التي يقودها بين الحكومة “الإسرائيلية” والسلطة الفلسطينية يطرح احتمال أن يكون الوزير الأمريكي يحضّر ل“مفاجأة كبيرة” تتزامن مع الانتخابات النصفية للكونغرس، وحذرت من الاطمئنان إلى فشل المفاوضات . كان ذلك قبل أن يقوم كيري بزيارته التاسعة لفلسطين المحتلة التي انتهت يوم الجمعة 13 الجاري، والتقى فيها كلاً من بنيامين نتنياهو ومحمود عباس . وبعد انتهاء الزيارة، تسربت أنباء، وخرجت تصريحات لم تغير من الصورة السابقة للزيارة لكنها رجحت ذلك الاحتمال، وزادت من المخاوف التي عبّرت عنها في مقالي السابق .
ففي تصريح له بعد انتهاء زيارته، أعرب كيري عن أمله في التوصل إلى “اتفاق سلام” حدد له تاريخاً نهاية شهر إبريل/ نيسان المقبل، مؤكداً أن السلطات “الإسرائيلية” ستفرج عن الدفعة الثالثة من الأسرى في 29-12-،2013 أي نهاية الشهر الحالي . ومن الواضح أن كيري أراد من تلازم “المعلومتين”، التوصل إلى سلام نهاية إبريل/ نيسان المقبل وإطلاق سراح الدفعة الثالثة من الأسرى، أن يقول إن المفاوضات الجارية تسير كما هو مقرر لها وتحقق التقدم رغم كل الجمود الظاهر على السطح، وبالرغم من تكذيب الطرفين المعلن لما جاء في تصريحات الوزير الأمريكي، فإن هذا “التلازم” يترك انطباعاً غير سار، وهو أن إطلاق سراح الدفعة الثالثة من الأسرى يأتي كأنه “رشوة” تقدم للسلطة الفلسطينية لتوافق على المقترحات التي حملها كيري في زيارته قبل الأخيرة، وقيل إن عباس رفضها . لكن مسؤولين فلسطينيين أكدوا أن لقاء عباس - كيري الأخير الذي لم يزد على نصف ساعة، لم يحقق أي اختراق، في وقت قال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إنه “لا سلام من دون إطلاق سراح جميع الأسرى”! ها هو أبو ردينة يربط بدوره بين السلام وإطلاق سراح الأسرى فماذا يعني ذلك؟ هل تم إيجاد الحلول لكل “قضايا الحل النهائي” العالقة ولم يبق إلا الأسرى حتى يبدو كأن السلام يعادل إطلاق سراحهم؟
لقد ذكر في نهاية زيارة كيري الثامنة، أن الرئيس عباس رفض ما سمي “الخطة الأمنية” التي حملها كيري والتي تضمنت بقاء الجيش “الإسرائيلي” في الضفة والأغوار . وفي الزيارة التاسعة، كرر كيري طلب الموافقة على تلك الخطة، لكن مسؤولاً فلسطينياً أوضح في تصريح صحفي أنه “لا مشكلة لدينا في بقاء الجيش”الإسرائيلي“سنوات، لكن ضمن خطة انسحاب تدريجية، وليس خطة للبقاء عشر سنوات قابلة للتجديد”! مرة أخرى، ماذا يعني ذلك؟ ألا يحمل ذلك معنى التمهيد لقبول خطة كيري الأمنية؟ وما هي الضمانات التي ستطلبها السلطة لوضع الانسحاب التدريجي موضع التطبيق؟
وبينما قال أحد المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية، إن كيري بحث مع عباس مسألة الاعتراف ب“يهودية دولة”إسرائيل“” وبقاء الجيش “الإسرائيلي” في الأغوار، قال “مسؤول فلسطيني رفيع” لوكالة فرانس برس، إن عباس رفض الأفكار الأمنية لكيري في رسالة رسمية مكتوبة تضمنت الموقف والرؤية الفلسطينيين للحل و“أولها رفض مطلق للاعتراف ب”إسرائيل“دولة يهودية، وتأكيد على رفض وجود الجيش”الإسرائيلي“على الحدود الشرقية مع الأردن، وتمسك بطرف دولي ثالث”! وفي آخر التسريبات، تأكيد من المسؤولين الفلسطينيين الذين أكدوا أن كيري لم يحقق أي اختراق في لقائه الأخير مع الرئيس عباس أن “اللقاءات ستتواصل في البلاد بين طاقم فلسطيني وآخر أمريكي للبحث عن صيغة مقبولة”! (القدس، 14-12-2013) . مرة ثالثة، ماذا يعني ذلك؟ وماذا يمكن أن تكون “الصيغة المقبولة”، وهل يمكن أن تكون مقبولة للسلطات “الإسرائيلية” إن لم تضمن لها تواجد جيشها في المناطق ذاتها التي تصر على تواجده فيها؟ على خلفية كل ذلك الغموض وتلك التساؤلات، عاد كيري ليقول في مقابلة أجرتها معه قناة (إيه بي سي) التلفزيونية الأمريكية يوم 15-12-،2013 إنه حقق تقدماً بشأن القضايا الصعبة في المفاوضات، مؤكداً أهمية عدم الإدلاء بأحاديث حول ما يقوم به المتفاوضون، ومضيفاً: “شخصياً أشعر بالتشجيع، لأن قضايا صعبة للغاية بدأت تتبلور في صور خيارات عدة” ! لم يقل كيري شيئاً عن تلك “الخيارات”، لكنها كلها بالتأكيد ستكون متساوقة مع ما لا يمل الأمريكيون، بمن فيهم كيري وإدارة أوباما، من تكراره: “الالتزام بأمن”إسرائيل“وقدرتها على الدفاع عن نفسها بقواها الذاتية”، كما جاء في تصريح له في زيارته الثامنة ل“تل أبيب”!
لا جدال أن تلك التسريبات، على قلتها وعدم جدتها، تتيح محاولة لقراءة ما بين سطورها وسد ثغراتها، لتؤكد أن وراء الأكمة ما وراءها، ولتزيد من التخوفات وتعطيها المشروعية أيضاً، حتى إن تقارير صحفية من القدس المحتلة ذكرت أن سياسيين فلسطينيين لم ينكروا وجود “طبخة” يعدها وزير الخارجية الأمريكي من المتوقع أن تشتمل على “قضايا حل نهائي أخرى غير ملفي الأمن والحدود، خصوصاً ملفي القدس واللاجئين”، ليكون ذلك “اتفاق إطار” بديلاً للمفاوضات إن فشلت . ومن أجل إنضاج هذه الطبخة، يصر كيري على أن يتم لقاء بين نتنياهو وعباس، وقد سبق للأخير أن أعلن أنه لا يمانع في لقاء نتنياهو، من حيث المبدأ .
يقولون في “تل أبيب”، إن كيري لا يحب الفشل، ونقول إن على الفلسطينيين أن يفشلوا كيري لأن “طبخته” سامة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165603

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165603 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010