السبت 21 كانون الأول (ديسمبر) 2013

“بدو النقب” أم فلسطينيوه؟!

السبت 21 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par عبداللطيف مهنا

كان لقانون برافر التهجيري، الذي سحب إثر الغضبة الشعبية الفلسطينية الشاملة، خشيةً وتحاشيًا من تحولها إلى انتفاضة أيضًا شاملة حذرت منها تقارير أجهزة الأمن الصهيونية، الفضل في إعادة اكتشاف المآسي التي يكابدها فلسطينيو النقب تحت الاحتلال، والمكائد التي تنتظر مصائرهم، هم وسائر فلسطينيي المحتل من فلسطين إثر النكبة عام 1948، وليس فحسب في الضفة المحتلة والقطاع المحاصر، بالنسبة لأغلب أجهزة الإعلام العربية... إعادة اكتشافه ولو موسميًّا، لأنها سرعان ما ستنسى ما اكتشفته بعد سحب القانون لتعود من ثم لسالف نسيانها المريح. وإذ أقول إثر الغضبة الشعبية وتحاشيًا لانتفاضة شعبية، وهذ ما أشرت إليه أيضًا في مقال سابق، فأنا أيضًا أستدرك هنا لأقول، إنني من أولئك الذين يتفقون مع القائلين بأن القانون سيئ الذكر ما كان ليسحب لولا رفضه من قبل غلاة صهاينة الكنيست لعدم رضاهم عنه لأنهم يريدون مخططات ترانسفيرية أكثر تطرفًا وفاشية منه، ثم إن الفشل في قوننة هكذا مخطط في مثل هذه المرة لن يؤثر على مسارات التهجير الإداري القائمة والمستمرة بلا توقف، كسياسة دائمة رافقت اختلاق الكيان الغاصب، وتتفق مع طبيعته الاستعمارية الاستيطانية الاحتلالية، وكخادمة لاستراتيجية صهيونية لم ولن تتبدل أو تتوقف ما دام هذا الكيان المفتعل قائمًا، كما أن سحبه لا يعني توقف طرح مخططات شبيهة لاحقة قد تكون أكثر حظًّا في مواتاة الظروف لإقرارها، أو حتى إعادة طرحه بذاته مرةً أخرى.
ما أنا بصدده هنا هو لفت الانتباه إلى اجترار أغلب أجهزة الإعلام العربية لذات المصطلح الذي حرص الصهاينة منذ النكبة على إطلاقه على فلسطينيي النقب المحتل وتعميمه وهو “بدو النقب”، وذلك لهدفين، الأول جريًا على سياستهم الرامية إلى محاولة تقسيم فلسطينيي المحتل من فلسطين في العام 1948 إلى عرب ومسيحيين ودروز وبدو، والثاني للإيحاء بأن أهل النقب ومواطنيه هم بدو رُحَّل لا يعرفون استقرارًا في الأرض التي كانوا يجولون فيها وبذا لا يمتلكون حقًّا في ملكيتها، وبالتالي فإن سياسات تهجيرهم ومصادرة أراضيهم لا تعدو محاولات لإعادة تجميعهم وتوطينهم لا أكثر! والمعروف أنه ومنذ النكبة، ولتكريس مثل هذا الانطباع الزائف حرص المحتلون على إقامة مشهد فلكلوري في بعض الأماكن المنتقاة هناك ليراها السياح المستجلبون، كنصب خيمة بدوية يُربط أمامها جملًا وفي ظلها امرأة بزي تقليدي تطحن شعيرًا على رحى...!
نعم، النقب، وهو ثلث فلسطين، كان قبل النكبة مأهولًا بقبائل عربية من أصول بدوية، ومنها خمس كبرى هي العزازمة والتياها والترابين والحناجرة والجبارات، لكنها جميعا مستقرة في حدود أراض تمتلكها وتعيش فيها، ومنها من كان وجوده سابق على الإسلام بقرون، بل ويمتد إلى مملكة ماوية، بل ويحدثنا التاريخ عن أسقف بدوي في تلك الديار في العهد الروماني، وتتشكل بعض القبائل في واقع الأمر من ائتلافات من عشائر تنحدر من قبائل عربية مختلفة، وفي بعض الحالات ضمت من لاذ أو استجار بها في مرحلة من المراحل، كمجموعات من جيش إبراهيم باشا عندما هزمته القوى الاستعمارية وأجبرت محمد علي على الانكفاء إلى داخل حدود مصر، وبعضها ممن ارتدوا شرقًا في الحقب الأموية والعباسية والمنحدرين ممن رافقوا الولاة من قومهم عند عزلهم أو استبدالهم بولاة جدد، بيد أنهم جميعًا ملاك لأراضٍ توالدت أجيالهم وعاشت عليها ويزرعونها ويرعون مواشيهم فيها، والنقب، الممتد من وادي عربة حتى مشارف غزة ومن جنوب الخليل حتى خليج العقبة وعاصمته بئر السبع، ليس جميعه بشبه الصحراء كما يوصف، أو وفق الانطباع السائد، لقد كانت مصانع البيرة البريطانية، مثلًا، تتزود، كما هو معروف، من شعيرة في حقبة الانتداب السابق على النكبة.
ومن جانب آخر، إذا كانت البداوة أو الفلاحية أو المدنية هي صفة اجتماعية فإن الغالبية العظمى اليوم من الفلسطينيين هم من أجيال عاشت عبر عقود ما بعد النكبة وترعرعت في مخيمات اللجوء القسري داخل الوطن ومنافي الشتات، حيث يعيش ويتشارك ويتساوى في عذاباتها ابن يافا وحيفا وصفد إلى جانب ابن النقب وأبناء الأرياف الفلسطينية المختلفة التي شرَّدت النكبة أهلها، بل وباستثناء بعض قرى الضفة ممن بقي لها قليل من أرضٍ لم تهوَّد بعد ليس هناك الكثير ممن يمكن وصفهم بالفلاحين، وعليه لم يجد الفلسطيني أمامه من سبل لكسب قوته سوى التعليم، ولذا حاز الفلسطينيون، قبيل احتلال 1967، وربما حتى الآن، على أكبر نسبة متعلمين، بمعنى أقل نسبة أمية، في الوطن العربي. أما من تبقى في النقب بعد النكبة فقد أُخضعو للتجميع في معازل قسرية، إلى جانب الـ35 قرية التي أراد قانون برافر تهجيرهم منها، وإجمالًا حولوا مع الوقت، لانسداد سبل العيش المدروس، إلى عمال في المعامل والمستعمرات الصهيونية، وبذا لا يمكن وصفهم لا بالبدو ولا بالفلاحين.
... إن الإمعان في استخدام مصطلح “بدو النقب”، وليس فلسطينييه، أو أصحابه ومواطنيه، لا يخدم إلا الدعاية والاستهدافات التهويدية الصهيونية، أو من يريدون سلبهم أرضهم وتشريد من لم يشرَّد بعد منهم، وتكرار هذا المصطلح ببغاويًّا بوعي أو من دونه لا يخدم إلا المخططات البرافرية المستقبلية التي لن تتوقف ما دامت فلسطين مغتصبة، ولم يكنس الغاصبون منها ويعود أهلها إليها بعد أن تتحرر من نهرها إلى بحرها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165631

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165631 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010