عندما عاد الوفد الفلسطيني من مؤتمر مدريد، انتشر أعضاؤه في المدن والقرى والمخيمات لتسويق “الإنجازات” التي تحققت في ذلك الاجتماع الذي ألبسه البعض ثوب “المؤتمر” تجاوزاً على محدداته، وفي التجاوز كان الكثير من التضليل . أحدهم تحدث بانتشاء المنتصر، في ندوة قروية حضرها الكثير من الفلاحين الحالمين الذين سبّلت عيونهم أوهام تلك العملية التسووية، حيث اعتبر أن الوفد الفلسطيني انتصر في “مدريد” بدليل أن عدد المصفّقين من أعضاء الوفود لكلمة الراحل حيدر عبدالشافي أكثر بكثير من عدد المصفّقين لكلمة إسحاق شامير . الرجل اخترع مفهوماً جديداً للانتصار، لكنّه تجاهل تركيبة الوفود الحاضرة، فلسطينيين وأردنيين وسوريين ولبنانيين، وكثير من أصدقائهم، وكان من الطبيعي أن يشكّل هؤلاء أغلبية تصفيقية، إلا إذا كان ذلك المفاوض يتوقّع تصفيقاً عربياً “علنياً” لشامير .
أمريكا بنت على الشيء مقتضاه، فهي وقد خرجت للتو من حرب تدميرية للعراق، حرّكت وزير خارجيتها في ذلك الوقت، جيمس بيكر، ليجري لقاءات مكوكية مع الجانبين الفلسطيني و“الإسرائيلي” . وحدث أن خرج مفاوض فلسطيني بعد زيارتين قام بهما بيكر، ليتحدث عن “تقدّم” ملموس في مهمة الوزير الأمريكي . وبعد زيارة سادسة أو سابعة تحدّث المفاوض نفسه عن عدم إحراز أي تقدم على جبهة المفاوضات، ومن الطبيعي أن ينسى ما قاله قبل ذلك، طالما أن الكلام الدبلوماسي محفوظ ومتكرر على ألسنة الدبلوماسيين مثل حركة “الروبوت” . وبعد ثلاث عشرة جولة تفاوضية في واشنطن بين الوفدين الفلسطيني و“الإسرائيلي”، ولد اتفاق أوسلو على يد قابلة لا علاقة لها بمسار “مدريد” .
يروق لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن يتحدّث عن “إحراز تقدّم” في مهمته التفاوضية . لا داعي لتعجّل التشكيك في تصريحات رأس الدبلوماسية الأمريكية، فالرجل، للأمانة، لم يقل “صدّقوني”، كما أنه لم يحدّد نوع التقدّم، ولا لمصلحة من . وطالما أنه لم يحدّد، فإن المعنى الوحيد الممكن لهذه التصريحات، هو أن التقدّم الذي حصل لمصلحة “إسرائيل” التي تفاوض باللسان ويدها على الزناد يقتل الفلسطينيين والعرب، وتتحدث عن “السلام” فيما ترسل جرافاتها لهدم منازل الفلسطينيين ونهب أرضهم وتجريفها لاستيطان لا يتوقّف .
لكي نبقي الذاكرة حيّة، لا بد من التذكير بأن قيادة منظمة التحرير أعلنت “إعلان الاستقلال” عام ،1988 ثم عادت بعد ثلاث سنوات لتفاوض في مدريد على كل شيء من جديد، ثم لتخرج باتفاق “مبادئ”، عام ،1993 مدجّج ببنود كل واحد منها يحتاج لمسلسل مفاوضات، فضلاً عن أن كل العناصر التي شكّلت مفهوم “القضية الفلسطينية” لا وجود لها إلا على “ويت لست” .
بعد انقضاء ما سميت المرحلة الانتقالية، وعد أن تجاوز الزمن موعد بدء مفاوضات المرحلة النهائية (في 1996)، ثم انقضاء زمنها المنصوص عليه بخمس سنوات، كان واضحاً أن “إسرائيل” لا تستطيع أن تلغي طابعها، أو تتنكّر لنفسها الأمّارة بالعدوان، وقد اعتبرت اتفاق أوسلو وما أفرزه من تقسيمات أبجدية ومكاسب أمنية، نهائية ومنتهية بنقطة آخر السطر، وستمئة نقطة تفتيش في الضفة، ومن دون أن يواجهها طرف عربي يملك إرادة تكفي لوضع أي نقطة على أي حرف .
الجمعة 20 كانون الأول (ديسمبر) 2013
أية تسوية وأي تقدّم؟
الجمعة 20 كانون الأول (ديسمبر) 2013
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
22 /
2181109
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
9 من الزوار الآن
2181109 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 8