الخميس 19 كانون الأول (ديسمبر) 2013

بين استراتيجيتين ... التفاوض والمقاومة

الخميس 19 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. فايز رشيد

جولات كيري في المنطقة لم تسفر سوى عن حل أميركي مسخ: هو وجهة نظر اسرائيلية أولا وأخيرا، مضمونها اتفاق اطار على دويلة مؤقتة منقوصة السيادة والقدس وعودة اللاجئين! دويلة هي ليست غير الحكم الذاتي القائم حاليًّا، دويلة كانتونات مقطّعة الأوصال، دون أية روابط جغرافية مع غزة وقطاعها. إضافة إلى تواجد عسكري اسرائيلي في منطقة غور الأردن، سيتحول مستقبلا إلى وجود دائم. حل يجري تطبيقه على الضفة الغربية أولا مع احتمال بعيد بأن يجري تطبيقه في القطاع! هذا هو جوهر الحل الإسرائيلي ولكن بلسان أميركي هذه المرة. هذه هي الحقيقة الأولى التي استندت إلى استراتيجية المفاوضات. باعتبارها الخيار الوحيد والدائم للسلطة الفلسطينية. المفاوضات لم تنتج سوى اتفاقيات أوسلو المشؤومة التي قزمت الحقوق الفلسطينية، وأدت إلى تراجع المشروع الوطني عقودا الى الوراء. المفاوضات استمرت ما ينوف عن العقدين، ولم تكن قادرة على انتاج شيء سوى الحل الأخير.
من زاوية ثانية، فإن حقيقة أخرى يتوجب إدراكها وهي أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون وسيطا نزيها في الصراع بين الفلسطينيين والعرب من جهة وبين اسرائيل من جهة أخرى. لا نقول هذا الكلام جزافا، وانما اعتمادا على نصوص رسالة الضمانات الاستراتيجية الأميركية التي جرى ارسالها إلى اسرائيل في عام 2004، وتنص على مبادئ كثيرة، أبرزها: التزام الولايات المتحدة بأمن اسرائيل، وتعهدها بعدم ممارسة الضغط عليها لقبول ما لا تريده من حلول أو تسويات. الحقيقة الثالثة، التي يتوجب على السلطة الفلسطينية ادراكها: أن الولايات المتحدة ملتزمة التزاما تاما بالحل الإسرائيلي دون زيادة أو نقصان, فالموقف بين الحليفين الأميركي والأسرائيلي حول عناصر التسوية متماه إلى حد كبير: واشنطن ترفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهي متفهمة للموقف الإسرائيلي بإبقاء القدس موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل. على هذا الأساس، فإن كل مرشح أميركي للرئاسة وابّان فترة ترشيحه يعد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهذه دلالة كبيرة. التعارض بين الموقفين الإسرائيلي والأميركي، يتمثل في الاستيطان. واشنطن فعليا ليست ضد الاستيطان، لكنها مع تجميده مؤقتا بهدف تسليك المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية والوصول إلى حل.
الحقيقة الرابعة وهي أبرز من كل الحقائق: إن استراتيجية المفاوضات لم تؤد الا إلى التنازلات الفلسطينية وهي مستقبلا لن تؤدي الا إلى المزيد من هذه التنازلات. الحركات الثورية للشعوب المحتلة أراضيها والمغتصبة ارادتها تخوض المفاوضات مع أعدائها ولكن بشروط:
أولها: خوض المفاوضات مع العدو ولكن في مرحلة متقدمة من النضال، تكون فيه الحركة الثورية على أعتاب الانتصار. ثاني هذه الشروط استناد المفاوضات إلى انجازات حقيقية على الأرض، وهذه لن يتم انجازها الا بفضل المقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح. ثالث هذه الشروط: عدم المساومة والتفريط على وفي حقوق الشعب الوطنية، فالعدو وجرّاء تضرره الكبير من مشروع احتلاله بالمعنيين: الاقتصادي والبشري الديموغرافي هو بحاجة للوصول إلى تسوية، لأن ليس لديه الاستعداد لدوام تلقي الخسائر البشرية والاقتصادية. رابع هذه الشروط: الاستناد إلى حركة جماهيرية شعبية يجري تأييدها سياسيا من شعوب ودول كثيرة. القضية الفلسطينية (لو كان القائمون عليها يستندون إلى الكفاح الثوري والاستراتيجية غير التفريطية بالحقوق) لزاد تأييدها من قبل الجماهير الشعبية العربية من المحيط إلى الخليج أضعافا مضاعفة، أيضا هي تستند إلى قاعدة شعبية دولية عريضة. بالتالي فليس أمام الحركة الثورية سوى الانتصار أو الانتصار. طريقان لا ثالث لهما. خامس هذه الشروط: دوام الاستناد إلى ما يجري على الأرض من انجازات، فالمفاوضات ليست مطلبا للحركة الثورية فحسب، وانما للعدو أيضا.
لقد خاضت حركة التحرر الوطني الفيتنامية والتي كانت تسمى “جبهة التحرير الفيتنامية” مفاوضات مع المحتل الأميركي في مفاوضات باريس، بعض تلك الجولات التفاوضية لم تكن تستمر سوى دقائق قليلة فقط، يضع الفيتناميون مطالبهم على طاولة التفاوض، فإذا كان هناك تجاوب أميركي معها، يجري الاستمرار في المفاوضات، والا فلا، وينسحب الفيتناميون. بالطبع هناك فارق كبير بين طبيعة النضال الفلسطيني والنضال الفيتنامي، وهناك فوارق في الظروف المحيطة سواء بالمعنى الذاتي أو الآخر الموضوعي، لكن هذه التجربة التفاوضية خاضتها الكثير من حركات التحرر الوطني للشعوب في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. كمثال على صحة ما نقول: تجربة حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” وحلفاؤه في جنوب إفريقيا، والمفاوضات التي جرت مع النظام العنصري فيها (الحليف العضوي للكيان الصهيوني). تجربة روديسيا. التجربة الفلسطينية ذاتها، ابّان المرحلة الأولى من الثورة (قبل اتفاقيات أوسلو) مرحلة الكفاح المسلح. من قبل لم تعترف اسرائيل بوجود شعب فلسطيني من الأساس. العالم تعامل من قبل مع الفلسطينيين كلاجئين يستحقون الشفقة والعطف ليس الا. الثورة الفلسطينية المسلحة هي التي أجبرت العالم على التعامل مع الفلسطينيين كشعب مغتصبة أراضيه وحقوقه. وهي التي أجبرت اسرائيل على الاعتراف بالشعب الفلسطيني والتعامل معه. منذ تشكيل السلطة الفلسطينية وبخاصة بعد وفاة الرئيس الراحل عرفات، اعتبر أبو مازن الكفاح المسلح (ارهابا)، حتى إنه ضد الانتفاضة الشعبية الفلسطينية المسلحة. لقد أصدر الفرمانات (القرارات) بجمع الأسلحة الفلسطينية من المقاومين، واعتبر الأجهزة العسكرية للفصائل,, منظمات غير مشروعة. كل من لم يسلّم سلاحه للسلطة الفلسطينية، قامت أجهزة السلطة باعتقاله، والزج به في السجن. أو قامت اسرائيل باغتياله أو اعتقاله .
بعد الانقسام الذي أثّر سلبا على مجمل القضية الفلسطينية، فإنه أيضا أعاد المشروع الوطني الفلسطيني عشرات السنين إلى الوراء. حماس في غزة وصلت إلى اتفاقيات غير مباشرة مع اسرائيل بعقد هدنة طويلة الأمد، وأصبحت أيضا تلاحق المقاومين، الذين ازدادت مهماتهم المقاومة تعقيدا، فهم يجابهون السلطة الفلسطينية في رام الله (أو حماس في القطاع) أولا، ومن ثم العدو الصهيوني ثانيا!. من هنا رأينا خفوتا كبيرا في صوت المقاومة العسكرية الفلسطينية. خفوت أثّر على المفاوضات الجارية سلبا. مفاوضات يبتز فيها المفاوض الصهيوني، المفاوض الفلسطيني ابتزازا كبيرا من جانب، ومن جانب آخر يمارس الوسيط الأميركي (غير النزيه والمنحاز دوما إلى حليفه الإسرائيلي) ضغوطا كبيرة على الجانب الفلسطيني.
على صعيد آخر، فإن المقاومة والمسلحة منها تحديدا هي الاستراتيجية المركزية التي تتبناها مطلق حركة تحرر وطني لمطلق شعب محتلة أرضه ومغتصبة ارادته، ونتحدى أن يقوم أحد بتسمية حركة تحرر واحدة لم تعتمد الكفاح المسلح في نضالها (تجربة غاندي مختلفة تماما عن تجارب حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. هي حركة عصيان مدني شعبي عام ضد الاحتلال البريطاني). لذلك، فإن القاعدة العامة هي المقاومة المسلحة. هذه التي توحّد الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده: في الوطن وفي الشتات. استراتيجية المفاوضات تفرق شعبنا. هذا ليس صعبا على مطلق مراقب فلسطيني أو عربي أو دولي، لمسه. نعم، الفلسطينيون متفقون على استراتيجية الكفاح المسلح، لكنهم مختلفون على استراتيجية المفاوضات. المقاومة والمسلحة منها تحديدا هي التي كانت وراء نيل حرية الشعوب، واستقلالها. هي التي أجبرت المغتصبين لإرادة الشعوب على الاعتراف بحقوق هذه الشعوب. الساحة الفلسطينية ليست استثناء من هذه القاعدة العامة التي أثبتت صحتها وصدقها وفعاليتها. على ضوء خصوصية العدو الصهيوني في استيلائه على الأرض الفلسطينية عنوة، وطرد أهلها واحلال المهاجرين الغرباء محلهم، لذا فهو عدو استثنائي، اقتلاعي، احلالي، وعلى ضوء خطره على الأرض العربية عموما فهو عدو وطني وقومي، فإذا كان نهج الكفاح المسلح مشروعا لكل حركات التحرر الوطني الأخرى، فإنه مشروع (مرات عديدة) للحركة الثورية الفلسطينية.
يبقى القول: كفى تفاوضا مع العدو الصهيوني، وكفى استجابة للضغوطات الأميركية. آن الأوان لإنهاء الانقسام ومراجعة المرحلة الماضية، والتمسك باستراتيجية المقاومة واحيائها من جديد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165305

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165305 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010