الأربعاء 18 كانون الأول (ديسمبر) 2013

القضية الفلسطينية: لا “ربيع” ولا من يحزنون

يوسف الحسن
الأربعاء 18 كانون الأول (ديسمبر) 2013

عدت مؤخراً من الدوحة، بعد أن شاركت في مؤتمر نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حول قضية فلسطين، أو “أزمة الشرق الأوسط”، التي لم نعد نسمع بها بعد نشوب وتداعيات “الربيع العربي” .
حسناً ما فعل المركز العربي، حينما أدرك الحاجة إلى بحث القضية الفلسطينية في ظل المتغيرات الجارفة، إقليمياً ودولياً، بعدما وصلت القضية إلى حالة انسداد وتهميش، وأصبحت رهينة مفاوضات أو ما يسمى “بالعملية السياسية”، لعبة وحيدة في المدينة، أو خياراً نهائياً وحيداً، يجري بأساليب سياسية خاضعة لموازين القوى، ولاستفراد “إسرائيلي” كاسح وشرس، وفي ظل مأزق تفكك عربي غير مسبوق، وغياب مشروع وطني فلسطيني جامع، وتوسع استيطاني إحلالي تهجيري مذهل، ومبادرة سلام عربية، رفضتها “إسرائيل” وتمسكت بها الأنظمة العربية، بديلاً عن عجزها عن الفعل، واختباء وراء مفاوضات عبثية عمرها أكثر من عشرين عاماً . . وصلت إلى طريق مسدود .
قضية فلسطين اليوم، تفضح العجز والتخلف الفلسطيني النخبوي، مثلما تفضح العجز السياسي والأخلاقي العربي، فضلاً عن الدولي .
تساءلت في مؤتمر الدوحة، عن أسباب غياب “ربيع” فلسطيني، ينتفض أو يثور على احتلال طال أمده، وعَظُم ظلمه وتطهيره العرقي، وتمييزه العنصري، واستيطانه وتهجيره، وانتهاكاته لحقوق الإنسان، ولحقوق الفلسطينيين المشروعة غير قابلة للتصرف، وإلغائه لحق تقرير المصير لأكثر من اثني عشر مليوناً من البشر، حتى صار لا معنى لديمقراطية وانتخابات وتنمية في ظل الاحتلال، وتحت شروطه وحصاره واضطهاده ورصاصه .
صحيح أن الفرد الفلسطيني، يحاول في كل مناسبة، أن يدافع عن نفسه وبيته وعائلته ضد ظلم الاحتلال الرابض على صدره، لكن، من أسف، فإنه تُرك وحده فريسة لقوة المحتل، ولحصاره ولقوانينه الاستعمارية العنصرية .
ثمة عملية استيطان واسعة ودؤوبة وتهويد واقتلاع جارية على قدم وساق، وثمة احتلال يتصاعد في عنفه، وسياساته، من دون دفع أية أكلاف بشرية أو مادية، وثمة إخراج لقطاع غزة والقدس الكبرى من الفضاء الفلسطيني، وتجريد المفاوضات السياسية من مضمونها الحقيقي، بعد أن فقدت أوسلو صلاحيتها وأثبتت عقمها، وتآكلت السلطة الفلسطينية وتكلّست الفصائل، وحوصرت وطوردت أية محاولات لتأطير طاقة المقاومة الشعبية الهائلة في إطار مشروع وطني جامع يتجه رأساً للتحرير والاستقلال .
الحركة الوطنية الفلسطينية اليوم أمام مفترق طرق خطير، وكل يوم يمر يخسر فيه الفلسطينيون أرضاً ووقتاً وموارد ومستقبلاً، بسبب استمرار الاحتلال والاستيطان، وتغيير للجغرافيا والهوية .
“إسرائيل”، ونخب فلسطينية، تتفاوض سراً وعلانية، وفي الوقت نفسه تواصل “إسرائيل” قضم الأرض واغتيال الناس، وانتهاك الحقوق والمقدسات . يعني أن “إسرائيل” في حرب معلنة على الفلسطينيين، بالمقابل يتخندق أهل السلطة في رام الله وغزة، في مواجهات عبثية خاسرة .
ندرك أن هناك قلة صغيرة من النخب الفلسطينية، ما زالت تعتقد أن هناك فرصة أمام قيام دويلة فلسطينية في المسار التفاوضي الراهن والزمن المرئي، ونفهم أن الأوضاع العربية المتردية، لا تستطيع توليد الحد الأدنى في مواجهة “إسرائيل”، وأن القرار الأمريكي لدعم “إسرائيل” (على العمياني) لا رجعة فيه، في ظل معادلات أمريكية داخلية ومصالح إقليمية .
ونعلم، أن الرهان على تحويل السلطة الفلسطينية من حكم ذاتي إلى دولة مستقلة، من خلال المفاوضات فقط، هو رهان سقط عملياً ونظرياً، بدءاً من تهميش مؤسسات منظمة التحرير، قبل التوصل إلى حل لقضية اللاجئين وقيام الدولة، وانتهاء بتفريغ السلطة نفسها من مضمونها .
ونعلم أيضاً، أن غياب قيادة سياسية موحدة للشعب الفلسطيني منذ ،1994 وإهمال المرجعية الوطنية، وفقدان التمثيل الوطني الجامع، وبخاصة لفلسطينيي ،1948 الذين تُركوا يصارعون وحدهم سياسات “إسرائيل” العنصرية، ومن أجل حقوقهم القومية .
إن هذا الغياب هو أحد عناصر المأزق الفلسطيني الأساسية .
أما الانقسام الفلسطيني، فبقدر ما هو مخجل ومعيب، فهو مدعاة للغضب، فالقضية أكبر من المنقسمين المتناطحين على “الكرسي” والنفوذ وفتات الإعانات الأوروبية، والمصالح الفئوية . وحتى لو انتهى الانقسام من خلال صفقات وغنائم لكل طرف، فإن غياب المشروع الوطني الجامع لتحرير فلسطين واستقلالها، سيظل هو المعيار والمقياس للنجاح .
سمعنا في مؤتمر الدوحة، صائب عريقات وأسامة حمدان، وسمعنا من كثيرين، يسمون أنفسهم، باحثون ومفكرون، ويختزلون الشعب وفلسطين في أهل الضفة وغزة، ويعتبرون أن القضية الفلسطينية قد بدأت إثر حرب 1967 .
كما سمعنا خطاب جماعات الإسلام السياسي، وهم يتحدثون عن شعار المقاومة، من غير ممارسة فعلية، وإنما تحت سقف أوسلو عملياً، وذكّرناهم بمسيرة الزعيم الفلسطيني الإسلامي الإخواني عبدالله عزّام، وهو يجند أكثر من ثلاثة آلاف إخواني وسلفي من الأردن وفلسطين ليحارب بهم الشيوعية في أفغانستان، تحت الراية الأمريكية، بعيداً عن فلسطين، وتجاهلاً لجهاد مشروع، لصهاينة غزاة، أخرجوا أهله من ديارهم، وحاربوه في دينه .
لكن، لم يخل الأمر، من وجود شباب يملكون المعرفة العلمية، ومدركين للواجب الوطني، ومقبلين على الممارسة الفاعلة المقاومة للاحتلال، ويربطون ما بين موقف أخلاقي وبين انتماء لشعب يتعرض يومياً، وعلى مدى 65 عاماً إلى ظلم فادح بكل المقاييس الإنسانية، من قبل مشروع استيطاني استعماري بشع، وسطو مسلح، ومصادرة للجغرافيا والتاريخ والذاكرة .
لمست في جيل شاب، أن هناك من “يربِّي الأمل”، ويحشد لكل أشكال النضال المناسبة، قانونية ومقاطعة وسياسية وإعلامية، ومواجهة تفكك الحقل السياسي الوطني، وتداعيات الحالة الاقتصادية الراهنة، وكشف سوءات الشرائح الطبقية المستفيدة من أوسلو، وتجاوز النخب الفصائلية التي تكلّست، فكراً وممارسة وتأثيراً، ومواجهة الإغلاق والخنق والجدار، والتعامل الجاد والصارم مع مسألة الاستيطان، إن على مستوى القانون الدولي والمحاكم، أو على مستوى إقلاق راحة الاستيطان .
إن تدعيم وتطوير وتوسيع نطاق الاحتجاجات السلمية الأسبوعية المنظمة (على غرار بلعين وكفر قدوم وغيرهما)، هو بداية الطريق، نحو إعادة رسم مشروع وطني فلسطيني مستقبلي، يتخطى عقوداً وفضاءات وأطراً، استنفدت وظيفتها، وتقادم عليها الزمان، قيادات وبنية وبرنامجاً وأساليب عمل . . على رأسها سيئة السمعة والنتائج أوسلو . وما شابه أوسلو . . . وآخره مشروع كيري “الإسرائيلي” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2181336

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2181336 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40