الثلاثاء 17 كانون الأول (ديسمبر) 2013

المهنة .. ناشط سياسي؟!

محمد عبدالصادق
الثلاثاء 17 كانون الأول (ديسمبر) 2013

كان التعريف العلمي السائد للإنسان بأنه ناشط بيولوجي يحمل الصفات الوراثية؛ كشكل العينين ولون الشعر وطول وقصر القامة والصحة والمرض والذكاء والغباء حتى الحماقة والحكمة ـ من آبائه وأجداده وينقلها لأبنائه وأحفاده، كما أن الإنسان ينتمي فسيولوجيا للفقاريات (أي لديه فقرات في ظهره) وطبيعي أنه من الثدييات فهو يتكاثر ويحمل ويلد ولا يبيض وبالتالي لا يفقس.
حتى ظهر مؤخراً تعريف جديد للإنسان هو أنه (ناشط سياسي) فنسمع المذيعة على التلفاز تخبرنا: "والآن معنا على الهاتف الناشط السياسي المعروف فلان الفلاني ..
ولا أدري سببا لهذا النشاط السياسي المفرط الذي أصاب المصريين بعد سبات عميق ـ منذ هبت أعاصير (الربيع العربي) التي لا تريد أن تهدأ رغم مرور ثلاث سنوات على نشوبها، شهدنا خلالها كمية من الائتلافات والحركات والمصطلحات والروابط السياسية التي لا تعد ولا تحصى وأصبح لكل ثلاثة أشخاص إئتلاف ومتحدث رسمي ولا مانع من وجود نقابة أو جمعية تدافع عن حقوقهم، وترعى مصالح وحقوق الأعضاء.
حتى (الألتراس) وهي روابط تشجيع للأندية الرياضية على غرار ما يحدث في أوروبا وأميركا اللاتينية ويتألف أعضاؤها من مراهقين وشباب معظمهم دون العشرين عاما وأشهرها في مصر ألتراس ناديي الأهلي والزمالك تركوا التشجيع والمدرجات والملاعب وخرجوا إلى الميادين والشوارع يطلقون الشماريخ ويرددون الأناشيد والشعارات الخاصة بهم بعد استبدال العبارات الرياضية الخاصة بتشجيع ناديهم بعبارات وشعارات سياسية وبدلاً من نشر الرياضة كانوا سببا لتوقف المسابقات والأنشطة في مصر طوال ثلاث سنوات، فلم يتورعوا عن اقتحام الملاعب ومطاردة اللاعبين والاعتداء عليهم لمنع إجراء تدريبات الفريق ووصل بهم الغي والنشاط السياسي إلى انتظار لاعبي النادي الأهلي عقب عودتهم منتصرين في المباراة النهائية لكأس إفريقيا وتحطيم أبواب مطار القاهرة فوق رؤوسهم وتوجيه الإهانات والسباب الجماعي للاعبين بسبب تجرؤ لاعب أو لاعبين على انتقاد تصرفات الألتراس في أحد البرامج الرياضية ولم يشفع للاعبين حصولهم على الكأس الإفريقية رغم توقف النشاط المحلي .
ورغم نبالة مطلبهم بالقصاص لضحايا مذبحة بورسعيد فوسائلهم ظلت خاطئة فلا هم حصلوا للضحايا على حقهم رغم مرور ثلاث سنوات على المذبحة ولا استمروا في تشجيع ناديهم الذي حرم من اللعب على أرضه أمام جمهوره وانتهى المطاف بهذه الروابط للانخراط والتورط في النشاط السياسي واستغلهم الفرقاء السياسيون لتحقيق أهدافهم مستغلين حماستهم وتنظيمهم وحداثة سنهم للتغرير بهم.
ويظل ملف التمويل لغزا يستعصي على الفهم فرغم حالة الكساد وتوقف الإنتاج وانتشار البطالة وتراجع الاقتصاد نجد هؤلاء (النشطاء) يركبون أحدث السيارات ويرتدون أفخر الماركات ويدخنون أغلى أنواع السجائر والمكيفات دون أن نرى لهم مهنة ولا ساعات دوام تبرر هذه الأموال التي تتدفق بين أيديهم، فهم موجودون جل ساعات النهار أمام سلم نقابة الصحفيين أو مشاركين في مظاهرة أو اعتصام أو وقفة احتجاجية وليلا نراهم ضيوفا في برامج (التوك شو) يكيلون الشتائم ويوزعون الاتهامات ويحرضون على العنف والتصعيد والحشد في الشوارع والميادين.
وللحقيقة نجحت حالة النشاط السياسي هذه في تحويل مصر لخلية ثورية لا تهدأ ولا تنام فكل يوم هناك جدول وخريطة للمظاهرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية ولا مانع من قطع الطريق واقتحام المترو وتعطيل القطارات بسبب وبدون سبب حتى إنني فوجئت وأنا مسافر لأداء واجب العزاء بقطع طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي (أقدم وأهم طريق سريع في مصر أنشئ في بداية القرن الماضي) وظللت محبوساً داخل السيارة خمس ساعات وعندما سألت أخبرني المارة أن أهالي قرية تابعة لمحافظة الغربية قطعوا الطريق من الجهتين بجذوع النخيل اعتراضاً على تأخير صرف الكيماوي ولم يعتقنا من هذا الارتهان إلا قدوم قوات الجيش التي تفاوضت مع القاطعين ونجحت في إقناعهم بعد عناء بالانصراف وفتح الطريق والعجيب أنني شاهدت عقب عودتي لمنزلي ليلا تغطية خبرية في إحدى القنوات التليفزيونية لهذه الأحداث ظهر من خلالها فيض النشاط السياسي وفصاحة اللسان ومهارة التعامل مع الكاميرا التي يتمتع بها شباب القرية (الفلاحين السابقين) المتزعمين للعملية والذين توعدونا بالتصعيد في حالة عدم تلبية طلباتهم والمتمثلة في زيادة حصة الكيماوي التي قطعوا الطريق لعدم وجودها من أصله.
وامتدت حالة النشاط السياسي للمؤسسات الصحفية فسمعنا عن ائتلافات شباب الاخبار والاهرام والجمهورية ولم يعد مستغربا أن يقتحم صحفي أو محرر شاب مكتب رئيس التحرير ويوجه له السباب أو يحاول الاعتداء عليه لأنه تجرأ وأدخل تعديلا على خبر أو تحقيق يخصه، أو كلف زميلا له بمهمة صحفية أو سفرية يرى الصحفي الثوري انه أحق بها وأن رئيسه تخطاه في الاختيار لأنه فاسد و(فلول) وينتمي للنظام البائد مع العلم أن هذا المحرر لم يكن يجرؤ على ركوب المصعد بصحبة رئيس التحرير قبل 25 يناير بل إن بعضهم كان لا يخجل من ذكر (الشتيمة النابية) التي نعته بها رئيس التحرير في ذلك الوقت ويعتبرها وساما على صدره وتاجا على رأسه يتباهى بها بين المحررين وتحول الآن إلى زعيم وثورجي يركل باب رئيس التحرير بحذائه ويطلق لسانه بالسباب للجميع كما يحلو له فهو ناشط سياسي.
أتمنى مع اقتراب الذكرى الثالثة لـ25يناير أن يهدأ بركان النشاط السياسي قليلاً وتتوقف حمم الصراعات والتناحرات والمكايدة السياسية وينصرف الجميع للعمل والبناء فالهدف من الثورات هو التغيير إلى الأحسن والتخلص من الفساد والإهمال والكسل والتحول للإنتاج والنشاط والعمل يداً واحدة من أجل مستقبل أفضل لهذا البلد الذي مزقته الخلافات وأنهكته التناحرات التي يدفع ثمنها الفقراء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2165797

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165797 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010