الاثنين 16 كانون الأول (ديسمبر) 2013

الأطفال والسلاح.. هكذا استبدلت الأزمة السورية الحلم بـ«بندقية»

بقلم:نينار الخطيب
الاثنين 16 كانون الأول (ديسمبر) 2013

موجة العنف التي تعصف بسورية منذ قرابة الثلاث سنوات وما يرافقها حتى الآن من صراعات بين الأطراف المتنازعة عصفت بأحلام أطفال سورية ومسّت بعمق نفسياتهم إن كان عبر إشراكهم من قبل المجموعات المسلحة أو عبر تأثرهم بالمشاهد على أرض الواقع أو عبر الوسائل الإعلامية المتنوعة فانعكس العنف على تصرفاتهم وسلوكهم وتحولت ألعابهم حتى من مسلية إلى خطر يهدّدهم.

«خلصو الطلقات.. حاميلي ضهري.. وقف عالحاجز وطالع هويتك.. المنطقة آمنة.. شبيح.. معارض.. مؤيد.. عسكري.. مدني..» مصطلحات أصبح وقعها على سمعنا أقل من عادي.. وباتت للأسف تُسمع من أطفال يلعبون في الأزقة أو على المفارق ويختلف الأمر بين الأماكن الباردة حيث تكون مجرّد تمثيليات بدون أدوات وبين الأماكن الساخنة حيث تكون أدوات اللعب طلقات فارغة في أحسن الأحوال ولكن لا شيء يعلو على صراخ الأطفال المتحاربين الذين ينقسمون في لعبتهم عادة إلى فريقين يتقّدم كل منهما قائد ومساعده.

يروي لـ«البناء» أحد المواطنين في منطقة تسكنها الحرب: «أصبح أولاد الحارة ينقسمون إلى فريقين فريق يمثل «النظام» وفريق يمثل «الجيش الحر» وطبعا تكون الحواجز أساسية في لعبتهم وتبدأ المعركة يهجمون على بعضهم ويتشاجرون ويمثلون إطلاق الرصاص بأيديهم وأصواتهم أو بفوارغ الرصاصات إن وجدت على الأرض حولهم وهذا الأمر إن اصطلحنا تسميته ألعاباً غير مناسب لأعمارهم ويعكس تشويهاً كبيراً لشخصياتهم فهم كمن يتقمّص شخصيات الكبار في الحرب من حولهم».
ما لا ريب فيه أن أول رموز السلام هو الأطفال وأن السلاح من أبرز رموز العنف وتؤكد العديد من الدراسات أن الطفل لا يملك الرغبة في حمل السلاح لخوفه منه لعدم معرفة كيفية استخدامه ولكن عند استيعاب طريقة عمله وإدراك قيمته وتأثيره تولد الرغبة وتتلاشى الرهبة.

حدثنا لـ«البناء» شاب متطوع في العمل مع النازحين عن حالة طفل عمره حوالى 9 سنوات كان في منزله في مدينة «حارم» وأخذ الرصاص ينهال على الشبابيك فمرّت رصاصة فوق رأسه مسببة جرحاً سطحياً ترك ندبة دائمة لا ينمو فيها الشعر الطفل لم يمت لكن الأذى النفسي الّذي تعرّض له كان أقسى عليه من كل الأحداث الأزمة الأكبر عند هذا الطفل أن أهل ضيعته هم من تسلحوا وأخذوا يقتلون بعضهم.

يضيف الشاب: «هذا الولد لا يكره مدينته ولا منزله لكنه يرفض العودة حتى لو عمّ الأمان ثانية لأنه رأى أهله يقتلون بعضهم كما أنه أصبح خبيراً بأنواع الرصاص شكلاً وصوتاً فعندما سألته عن الجرح في رأسه أجاب هي 14 ونص وعقب هي نوع طلقات ».

فكرة حمل الأطفال للسلاح مهما كانت الدوافع وحتى لو كان السلاح مجرد لعبة بلاستيكية تباع في متاجر الألعاب أو لعبة فيديو فكرة فيها استغلال للأطفال تولد لديهم ثقافة العنف والانتقام والسلوك العدواني وتدفع بهم في المستقبل إلى الإجرام.

تقول المتطوعة في مجال الدعم النفسي مع الأطفال النازحين إلى اللاذقية «فرح اسماعيل»: «نعمل مع الهلال الأحمر ضمن برنامج الدعم النفسي للأطفال والذي يطبق في كل سورية ضمن خطة عمل موحدة الدعم النفسي أهم من أي شيء ممكن تقديمه في الوقت الراهن للأطفال لأنهم سوف يكبرون ويصنعون المستقبل وإذا كانوا مدمرين نفسياً سينتجون دماراً للبلد عقولهم لا تزال مرنة وقابلة لإصلاح بعض المفاهيم الخاطئة المتشكلة عندهم ولا يزالون في مرحلة من السهل إقناعهم أن الأزمة ستمرّ وأن الحياة ستعود حلوة».

يميل الطفل بطبيعة تكوينه إلى التقليد والتأثر بما يشاهده واليوم ما يحصل على أرض الواقع أو ما تبثّه وسائل الإعلام شيء لا نستطيع عزل أطفالنا عنه نحتاج سنين طويلة لمحوه من ذاكرتهم أو على الأقل التخفيف من وقعه القاسي على طفولتهم يؤكد على هذا دكتور علم الاجتماع في جامعة تشرين «أسامة محمد» قائلاً: «استخدام الأطفال في الحرب السورية بدأ من ممارسات خاطئة قام بها الأهل ولم يمنعها أحد كإشراكهم في التظاهرات والمسيرات فكيف إذا سلح الأطفال هذه الأمور والممارسات أدت إلى تشويه جيل بكامله وأصبح من الصعب تجاوز هذه المشكلة ضمن فترة قصيرة فالأحداث مستمرة والشرخ الاجتماعي والنفسي يكبر سواء على مستوى الأطفال أم الكبار وهذا الشرخ هو أسوء نتيجة للأزمة في سورية لأن الدمار المادي للمدن والأحياء والاقتصاد كله يعوّض ويُبنى خلال سنوات لكن بناء انسان جديد أمر صعب للغاية فما يتلقنه الأطفال في المناطق الساخنة عموماً والخارج عن سيطرة الدولة خصوصاً تجاه الآخر كائناً من يكن سيء للغاية».

يضيف الدكتور المختص في قضايا بناء المجتمع: «الظاهرة مستمرة وأثرت على نفسية الأطفال ممن عاشوا الأحداث وممن شاهدوها عن بعد وأدت إلى حالات نفسية انعكست على شكل حالات تبول لا إرادي حالات استيقاظ متكرر بعد 10 سنوات الطفل سيكبر وسيصبح صاحب قرار وسيتأثر قراره بتكوين شخصيته أنا أرى أن الدعم المادي للنازحين كان هاماً من حيث تأمين المأوى أو اللباس أو الطعام لكن الاهتمام يجب أن ينصب على الاهتمام المعنوي والدعم النفسي وبنفس الوقت الأطفال في مراكز الإيواء حتى لو ابتعدوا عن أماكن سكنهم الساخنة يجب ألا ننسى أنهم في المراكز بعيدين عن بيئتهم الطبيعية وفي حالة نفسية مأزومة أساساً فعلينا ألا نيأس إن كانت استجابتهم بطيئة فالأذى الذي تعرض له الأطفال في سورية يحتاج إلى ما يسمى «بخطة استجابة» وهي الخطة التي ستبدأ مع مطلع العام المقبل بالتعاون بين الدولة والمجتمع الأهلي والمنظمات الدولية وتتضمن جوانب عدة منها الدعم النفسي والمادي والتعليمي».

الأطفال هم الفئة العمرية الأكثر حساسية في المجتمع و الأكثر تأثراً بالحوادث وفي الحرب يحصل تشوّه نفسي رهيب يصيب مختلف أفراد المجتمع وبسبب حساسية الأطفال وقوة الذاكرة البصرية لديهم يكون تأثير مشاهد العنف والقتل واللاإنسانية مضاعف.

تقول لـ«البناء» المدرسة «ليلى ناصر»: «للأسف انشغل أطفالنا اليوم بالتفكير بالموت بدلاً من التفكير بالحياة ومن أصعب آثار الحروب تدمير براءة الطفولة لأن ذلك يعني تدمير مستقبل البلاد بكاملها وكمدرسين واجبنا أن نكون كلنا مرشدين اجتماعيين».

كانت أحلام أطفال سورية تعكس واقعهم وطفولتهم.. واليوم أصبح واقعهم مليئاً بالكوابيس.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2176750

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2176750 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40