السبت 14 كانون الأول (ديسمبر) 2013

ولولة آتت أُكلها!

السبت 14 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par عبداللطيف مهنا

سرعان ما جنحت إلى الخفوت تلك الولولة الصهيونية المدروسة، والتي أعقبت توقيع اتفاق جنيف حول الملف النووي الإيراني. قلنا في حينه، في مقالنا السابق، إنها لم تك إلا بعضًا من رفع الصوت لقبض الثمن تصفويًّا في جاري المفاوضات الدائرة بينهم وبين الأوسلويين الفلسطينيين في الحاضنة التصفوية الأميركية. الأميركان كانوا دائما عند حسن ظن صهاينتهم. اتضح هذا حتى قبلما عُرف بـ“منتدى سابان العاشر”، والذي كان فرسانه الأربعة أوباما ونتنياهو وكيري وليبرمان. بدأت جوقة الولولة تلوذ للخفوت رويدًا رويدًا لا سيما بعدما أعطاها نتنياهو، وحتى ليبرمان، الإشارة بأن استهدافات صخبها قد آتت أُكلها. في المحفل الساباني الصهيوني المعروف سمع الرجلان من أوباما وكيري ما لم يسمعه صهيونيان قبلهما من الإدارات الأميركية المتعاقبة حول عروة العلاقات العضوية الوثقى بين المركز الأميركي وثكنته العدوانية المتقدمة الكيان الصهيوني. قال أوباما، وليسمع القاصي والداني، وكل الواهمين والمراهنين والمنبطحين العرب، إن الخلافات مع “صديقي بيبي” محض تكتيكية، والتزامنا الأميركي بأمن الكيان الغاصب “شيء مقدَّس”، وفيما يتعلق ببازار التسوية التصفوية التفاوضية للقضية الفلسطينية المزمعة، والتي عاد كيري لاحقًا لتذليل عقبات إخراجها، قال ما كشف سلفًا أُفقها وحدد مسارها والهدف منها، حتى قبلما توالت لاحقًا التسريبات من حولها. قال: إن الجنرال آلن، المستشار الخاص للمنطقة، توصَّل إلى نتيجة تقول بأنه من الممكن التوصل إلى حل “يضمن الحاجات الأساسية للأمن الإسرائيلي”. من جانبه، شكر نتنياهو أوباما على “العلاقات الخاصة” بينهما، والتي اعتبرها “المرساة الأعظم”، منوِّهًا بـ“التحالف الذي لا غنى عنه” بين واشنطن وإسرائيلها، وراهن “التعاون” بينهما، الذي “لم يسبق له مثيل”، والذي “شمل مجالات الدفاع والأمن والاستخبارات”، دون أن ينسى تكرار لازمته بوجوب اعتراف مفاوضيه الفلسطينيين بـ“يهودية الدولة”، كحد أدنى مطلوب منهم لتحقيق سلامه معهم. أما ليبرمان، الذي كان قبل ما لا يزيد على يومين أو ثلاثة يدعو للبحث عن حليف بديل للولايات المتحدة، فصدح في المنتدى بأن لا بديل لها! ولم يخرج كيري عن ما قاله رئيسه وإنما زاده توضيحًا، قال، إن الجنرال آلن “عمل بشكل وثيق مع القوات الإسرائيلية لاختيار سيناريوهات، والتوصُّل إلى حل يؤمِّن حاجات إسرائيل للسنوات المقبلة”، وإن محرِّك هذا الإصرار التسووي هو اكتشاف الحليفين أن “القوة ليست قادرة على قهر القنبلة السكانية” الفلسطينية، وأن “الطريقة الوحيدة لضمان مستقبل إسرائيل الطويل هو بواسطة المفاوضات”... أو هذه التي أتاحت الوقت والتغطية لكل ما أنجز من تهويد وكل ما لحق بالقضية الفلسطينية من كوارث خلال عقدي أوسلو المدمِّرين، والتي مربط خيلها معازل بشرية متناثرة بلا أرض، محاطة بالأسوار والحواجز والمستعمرات، أو معتقلات كبيرة تنعم “بسلام اقتصادي” لـ“سويتويات” ملحقة باقتصاد الكيان وفي خدمته، وما اتفاق ربط خليج العقبة بالبحر الميت، الذي يسميه الأردنيون تحببًا بـ“قناة البحرين”، والذي وقعوه هم والأوسلويون والصهاينة إلا بداية هذا الغيث التصفوي الأميركي المنسجم مع ما توصل إليه جنرالهم المبدع آلن مع الجنرالات الصهاينة، والذي لحمته وسدته حلًّا انتقاليًّا يتحول مع الوقت إلى الدائم عبر مسخ ما هم ماذا سيسميه أصحابه، أدولة أم امبراطورية، حدوده تحت الاحتلال، ومعابره تدار شراكة معه، بتغطية تكنولوجية أميركية... وماذا بشأن المفاوضات؟!
لا يبدو أن الحليفين يساورهما القلق من تأثرها أو تعثرها أو توقُّفها أو خروجها قيد أنملة عن المسار المرسوم لها أفقًا ورسوًّا، ولا يبدو أنهما يلقيان بالًا لبائس التبرمات الحيية التي تند بين حين وآخر من أوسلويي رام الله، أو يقبضون جدية تحذيراتهم بانهيارها، بل ما تقدم يكشف أنها ليست إلا ظلًّا لما هو في جوهره مفاوضات أميركية صهيونية دائمة حول أفضل السبل لتصفية القضية الفلسطينية، وتفادي القنبلة الديموغرافية الفلسطينية التي يحذر كيري من خطرها، أو ما أشرنا إليه آنفًا. ومن هنا فإن ما يبدو من بعض تمنُّع من قبل رام الله، أو شكوى من عريقات، أو تحذيرات من عبد ربه، لا تعدو الاستهلاكية الوزن، ولا يوجد ما يضمن بأن لا تلبث فقاعاتها من أن تختفي لمجرد تكشيرة أميركية، أو بوادر صدود من قبل المانحين، فالمسار الكارثي الذي انتهجه الأوسلويون عبر العقدين، وتخليهم عن خيار المقاومة، جعل من المفاوضات بالنسبة لهم إكسير وجود لا تملك سلطتهم للحكم الذاتي الإداري المحدود الاستمرارية من دونه. إن هذا يذكِّرنا بحكاية اللجوء للهيئات الدولية، أو تلك التهديدات التي لطالما أطلقوها وما زالوا ولم يجرؤوا على الإقدام عليها ... ترى، ما الذي كان منهم إزاء منع الأميركان لحلفائهم المحتلين من إطلاق الدفعة الثانية، أو تأخيرها، من الأسرى بموجب اتفاق العودة للمفاوضات؟! وماذا عن تتالي قرارات التهويد وتوسيع المستعمرات الجاري على قدم وساق جنبًا إلى جنب مع جاري جلسات عبثية ليفني عريقات التفاوضية؟!
... وأخيرًا، إنه وحتى مثل هذه التصفية الانتقالية قيد التفاوض، التي يبدو أن مهندسها كيري، الذي يعود إلى فلسطين المحتلة، بعد أن قال مؤخرًا في بلاده أمام جمعية يهودية “إننا نقف كليًّا إلى جانب حلفائنا الإسرائيليين”، واثق من فرضها على الأوسلويين ... حتى مثل هذه، هي مرفوضة من قبل وزيري الخارجية والحرب ليبرمان ويعلون، لأنها ليست نهائية، وأقل من الاعتراف بـ“يهودية الدولة”، والتنازل الصريح عن حق العودة!!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165876

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165876 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010