الجمعة 13 كانون الأول (ديسمبر) 2013

تركيا: الحزب والزعيم وأخواتهما

الجمعة 13 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. محمد نور الدين

كلما استطالت فترة السلطة تحت حكم حزب واحد او شخص واحد كانت النتيجة الطبيعية هي التفسخ أو الترهل .حزب العدالة والتنمية في تركيا نموذج لهذه النظرة التي تؤيدها الوقائع ومجريات الأحداث .
كانت تركيا عندما وصل الحزب إلى السلطة تواقة إلى طي صفحة عشر سنوات على الأقل من الصراعات الحزبية وعدم الاستقرار السياسي والفلتان الأمني والانهيار الاقتصادي .
وإذا كان الجانب الاقتصادي يحتاج إلى قواعد علمية لمعالجته تكون متيسرة وبمتناول يد أي فريق سياسي تتوفر له الإرادة للمعالجة، فإن المشكلات الأمنية والاجتماعية تحتاج إلى ارادة سياسية وفكرية حاسمة لمواجهتها .
ولقد اتحدت كل القوى التي تريد تركيا جديدة وراء حزب العدالة والتنمية لأنها رأت فيه أملاً قوياً للإنقاذ فصوّتت له في المرة الأولى والثانية شرائح متعددة ليست منتظمة فيه ولكنها راهنت على نجاح يستفيد منه الجميع .
ولا شك أن حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان أنجز مهمات صعبة مدفوعاً بروح التغيير والدعم الواسع فعزز الحريات والديمقراطية فيما كان الفريق الاقتصادي يؤدي مهاماً نوعية في تحسين الاقتصاد التركي .
ومع أن الحزب حافظ في انتخابات العام 2011 على مروحة الأصوات التي نالها سابقاً، غير انه يجد نفسه اليوم امام لوحة مختلفة عما كانت عليه قبل عشر سنوات وقبل ست سنوات وقبل سنتين .
السنتان الأخيرتان تميزتا بعناوين كبيرة هشمت صورة الحزب من جهة وصورة أردوغان كزعيم غير منازع في تركيا .
القضية الأولى التي واجهت الحزب وزعيمه هي قضية الحريات . لم يعد الحزب ذلك الذي كان رمزاً لها حتى العام 2005 وتحول بعدها إلى اداة لقمع حرية الآخر في التعبير والنقد .
وتجلى هذا القمع في المجال الصحافي الذي عانى منه الجميع طرداً من أعمالهم او اعتقالا في السجون،حتى باتت تركيا نموذجا للبلد الذي يضيّق على الحريات الصحافية في العالم .
غير أن أبرز تحد امام حزب العدالة والتنمية في مجال الحريات كان طريقة قمع قوات الشرطة لانتفاضة تقسيم وساحة غيزي في يونيو/حزيران الماضي والتي عمّقت الهوة بن تركيا والغرب الذي شنت صحافته أوسع حملة انتقادات لأردوغان واعتبروه سلطاناً عثمانياً جديداً لا ديمقراطياً .
والقضية الثانية كانت تتصل بالديمقراطية وهي العجز عن حل المشكلة الكردية والاعتراف بالهوية الكردية، ما أبقى هذه المشكلة جرحاً نازفاِ بعد عشر سنوات على وصول العدالة والتنمية إلى السلطة بحيث لم يعد حزب العدالة والتنمية ما يقدمه على هذا الصعيد سوى العمل على كسب الوقت والاعتماد على فائض القوة العسكرية للدولة لمنع أي انفصال تركي تماماً كما كان يحصل منذ اعلان الجمهورية عام 1923 وحتى اليوم .
وفي الإطار الديمقراطي فشل الحزب فشلا ذريعا في إنجاز دستور جديد ديمقراطي يطوي دستور 1982 العسكري رغم التعديلات الكثيرة التي أُدخلت عليه لاحقا .
والقضية الثالثة وربما الأخطر على حزب العدالة والتنمية فهي انفضاض رفاق الدرب تدريجياً عن “الزعيم” رجب طيب أردوغان . فأردوغان دخل في نزاع مع عبدالله غول رئيس الجمهورية لمنعه من الترشح مرة ثانية لرئاسة الجمهورية في العام المقبل، لكن المحكمة الدستورية أبطلت هذه المحاولة .
كما ان ضيق أردوغان بالنقد جعل الخلاف يدب بينه وبين الرجل القوي الثاني في الحزب بولنت ارينتش رفيق دربه ذي الوزن الثقيل ما دفع ارينتش إلى الاعلان انه سيعتزل السياسة قريباً .
والحالة الأخرى هي الخلاف الذي انفجر بين أردوغان وجماعة رجل الدين المقيم في أمريكا فتح الله غولين حيث يريد أردوغان اغلاق مدارس مسائية تعطي الطلاب دروساً إضافية لتقوية الطلاب للامتحانات الرسمية ويمولها غولين وتعد بالآلاف .
وقد اعتبرت جماعة غولين قرار أردوغان ليس لتحسين التعليم الرسمي بل لإضعاف غولين والتفرد بالقوة . ومع انه كان لغولين دور مهم في وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة نظراً لقاعدته الواسعة في المجال الاجتماعي والتربوي غير ان أردوغان بات يستشعر في نفسه القدرة على الاستغناء عن الآخرين .
يمكن القول إنه كلما تقدم الوقت في عمر السلطة، أي سلطة، تعرضت لضعف الرؤية وعدم القدرة على التجديد والترهل والتفسخ .
أما “الزعيم” فلا يعود يرى في المرآة سوى نفسه على أنها تختصر الجميع فيختصر تالياً من عمر الثورة وتقدمها وصولاً إلى احتضاره ومعه احتضارها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2166046

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166046 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010