الجمعة 13 كانون الأول (ديسمبر) 2013

في وداع مانديلا

الجمعة 13 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par أمجد عرار

في حضرة الوداع الحزين للمناضل الأممي نيلسون مانديلا، ثمة مفارقة ليست جديدة، لكنها مدوّية وفاضحة، أن يلقى المناضل الجنوب إفريقي الراحل نيلسون مانديلا أقوى عبارات الإشادة من أقوى الحلفاء للنظام العنصري الذي سجنه سبعة وعشرين عاماً . العنصريون وأعداء الإنسانية لم يخجلوا من وصف مانديلا ب“المحارب من أجل الإنسانية وإلغاء التمييز العنصري” . وإذا كان حلفاء وداعمو نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا هم أنفسهم حلفاء وداعمو الكيان الأشد عنصرية المسمى “إسرائيل”، فإن هذا الكيان كان نفسه أوثق حلفاء سجاني مانديلا، وهو تحدى علناً العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على نظام الفصل العنصري الذي حاربه مانديلا وقضى في سبيل محاربته ثلث حياته ونصف عمره الواعي خلف القضبان وفي عتم الزنازين .
في منتصف السبعينيات فرضت الأمم المتحدة عقوبات على بريتوريا، وكان وزير الحرب في “إسرائيل” حينها رئيسها الحالي شمعون بيريز الذي تجاهل تلك العقوبات وحافظ على أوثق العلاقات العسكرية والأمنية مع جنوب إفريقيا وساعد نظامها في تطوير السلاح النووي، وعزّز تلك العلاقات أكثر حين تولّى مقاليد وزارة الخارجية .
وبعد رحيل مانديلا راهن بيريز على “نعمة النسيان” لدى العالم ولم يخجل من الإشادة بمانديلا ووصفه بالمناضل الذي حارب من أجل حقوق الإنسان وترك بصمة لا تمحى على النضال ضد العنصرية والتمييز . ومع ذلك، وعند الممارسة الكاشفة للعورات بعيداً عن الشعارات، تجنّب بيريز المشاركة في تشييع مانديلا وتأبينه، متذرّعاً بإصابته بالإنفلونزا، وكان من الممكن تمرير هذه الذريعة لولا تزامنها مع قرار بنيامين نتنياهو أيضاً إلغاء مشاركته بذريعة أتفه وهي “ارتفاع التكاليف” .
أمريكا التي لم تشطب اسم مانديلا من لائحة الإرهاب إلا في ،2008 شارك رئيسها باراك أوباما في التشييع بطريقة تكفي للاستنتاج بأن عدم المشاركة كان خياراً أفضل، ليس فقط لأن الولايات المتحدة كانت حليفة وداعمة لمضطهدي مانديلا إلى الرمق الأخير في نظامهم العنصري، إنما أيضاً لأن الرئيس الأمريكي ومعه رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون وآخرون زوّدوا مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة “الإنترنت” بمشاهد يظهرون فيها خلال التأبين كمن يحضرون مسرحية كوميدية، ففيما كان متحدثون يؤبنون ودموع الشعب الذي حرره مانديلا تنهمر حزناً، كان هؤلاء غارقون بالضحك وتبادل أشياء على هواتفهم المحمولة .
لم يكن مسموحاً لمانديلا حتى قبل خمس سنوات من بلوغه سن التسعين دخول الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين كانتا تضعانه وحزبه، المؤتمر الوطني الإفريقي، في قائمة “الإرهابيين”، في حين أنهما ودول غربية أخرى تدعم الإرهاب الصهيوني وأصابعه وأدواته ضد الفلسطينيين والعرب، وشكّلت قاعدة انطلاق ودعم لوجستي ومالي لما يعانيه العالم اليوم .
مانديلا نام مرتاح الضمير هانئاً وقانعاً بأن وسم نضاله ضد العنصرية ب“الإرهاب” ليس سوى وسام شرف على صدره وكل المناضلين لأجل الحرية والإنسانية في العالم، وهو وإن لم يكن قادراً على وضع قائمة بأسماء من يحق لهم المشاركة في جنازته، استبق دموعهم التمساحية ولم يكف عن فضح الاحتلال الصهيوني والنفاق الدولي، وكأنه يعيد على مسامع أبطال المشهد المسرحي في الجنازة “حريتنا غير مكتملة من دون حرية الفلسطينيين” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165804

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165804 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010