الأحد 4 تموز (يوليو) 2010

الأمة وإضاعة الفرص والإمكانيات

الأحد 4 تموز (يوليو) 2010 par د. محمد سلمان العبودي

جميل جداً... تحدثنا كثيراً عن أهمية الدور التركي الأخير في تحريك ولو بسيط في عملية فك الحصار عن غزة. وقلنا وحللنا ما حدث كل حسب نيته، وكل حسب تصوره.

لا يهم. حدث ما حدث. والموضوع أصبح مكرراً ورغبنا أن نستغله صحفياً أقصى استغلال بسبب ندرته. ولكن قلنا أيضاً أن هناك عبراً كثيرة تتعدى الحدث يمكننا استخلاصها من تلك التجربة النوعية في طريقة التعامل مع العدو.

منها اغتنام الفرص وتغيير الاستراتيجيات وعدم الوقوف موقف المشلول عن الحركة. ولكن قبل كل شيء وقبل كل خطة، نحن في حاجة إلى مراجعة علاقاتنا مع الآخرين. ويجب أن نبدأ أولاً بأنفسنا.

لا أحد ينكر أن هناك دولاً عربية تبلغ 22 دولة، وضعف ذلك الرقم عدد الدول الإسلامية. وما يجمع شعوب الدول العربية فيما بينها وشعوب الدول الإسلامية فيما بينها أكثر مما تجمعه كل المقومات التي تجمع شعوب الاتحاد الأوروبي فيما بينها وكل الجنسيات التي تشكل الـ 52 ولاية للولايات المتحدة الأميركية برمتها.

بكلمة أخرى، عربياً أو إسلامياً نحن نمتلك من المقومات الأساسية التي لو وظفت بشكل صحيح ستشكل منا دولة عظمى دون منازع. الغرب والشرق ليس بأفضل منا في شيء، سوى في شيء واحد : استغلال الفرص والإمكانيات.

نحن نمتلك الإمكانيات والفرص ولكننا لا نعرف كيف نستغل الإمكانيات ولا نعرف كيف نغتنم الفرص. ولو علمنا أن هناك دولاً لا تملك الإمكانيات ولكنها اغتنمت الفرص وأصبحت دولاً ـ مع أنها صغيرة جداً ـ تلعب دوراً صناعياً واقتصادياً عالمياً، لقدرنا كم أضعنا من الوقت في خلافاتنا فيما بيننا.

إن موقفنا الضعيف أمام العالم يأتي من عدم توفر العنصرين الثاني والثالث المهمين بعد توفر الإمكانيات. التخطيط بشكل جيد، واغتنام الفرص.

لنرى أولاً كيف تسير العلاقات العربية العربية، والإسلامية الإسلامية، والإسلامية العربية؟ لا يمكن لنا أن نشكل موقفاً عالمياً ما لم تتبلور تلك العلاقات وتتشكل لتصب في مصلحة الأمتين العربية والإسلامية.

نحن نعترف بوجود خلافات بين الدول العربية، وحتى بين تلك التي تجمعها اللهجة والعادات والتقاليد. ولكنها ليست خلافات جوهرية. فهي إما خلافات على الحدود أو على نظام الحكم. وعندما نذكر كلمة (حدود) يخطر على بالنا جدار من الفولاذ لا يمكن اختراقه.

والحقيقة إنها حدود وهمية لا توجد سوى على الورق. وبئر النفط ـ الذي شكل منذ اكتشافه سبب الخلافات بين الجيران والأقرباء ـ والذي يقع بين تلك الحدود، يمكن مناصفته وتنتهي القضية. ويستفيد منه الطرفان للبناء وليس الهدم. وما ينطبق على الحدود ينطبق على السياسة ونظام الحكم.

لكل دولة سياسة ونظام يختلفان عن الأخرى ولكنه خلاف يظل في حدود ضيقة. كان أحدهم يقارن الاختلافات بين الدول العربية والإسلامية بالفوارق المنطقية بين فئات مختلفة من ماركة بعينها. فإذا كان هذا الحال بالنسبة للمركبات فكيف بنا كشعب وأمة ودول؟

والدول الإسلامية أيضاً هي في خلاف فيما بينها على مبدأ هي متفقة عليه. فهي تعترف بأن الله هو القاضي والحكم الأخير وهو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. ولكنهم مصرون على حل خلافاتهم (الجانبية) فيما بينهم قبل أن يفصل الله بينهم.

وطرق الحل عندهم تكون غالباً إما بالعنف أو التفجير أو القتل أو التصفيات أو الإرهاب يدفع المسلمون شرقاً وغرباً ثمنه غالياً.

أما اغتنام الفرص، فهي مأساة أخرى. فقد كان بإمكان العرب والمسلمين إبادة الدولة الصهيونية منذ زمن طويل، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك، ولكنهما أضاعا الفرص الأخيرة في كل مرة. ثم لم يتم استغلال العديد من الفرص والإمكانيات بعد ذلك لتحقيق انتصاراتهما ولتحقيق ذاتهما.

ولا نعني بالانتصار فقط الانتصار على عدوهما الصغير الذي أذلهما على مدى 60 عاماً، وإنما حتى الانتصار على التخلف الصناعي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي.

فإمكانيات الأمتين العربية والإسلامية تفوق خيال الدول الصناعية المتقدمة، من امتلاك مخزون للنفط بكميات هائلة ومساحات الأراضي الزراعية الخصبة الواسعة والمعادن المتنوعة والموقع الاستراتيجي المهم لوقوعها في منتصف الطريق بين عدة قارات ووقوعها على سواحل أكثر من 9 بحار، ووجود عدة أنهار، وتوفر الأيدي العاملة الرخيصة إضافة إلى تاريخها العريق..

وندر أن تملك أمة من الأمم على وجه الأرض في الماضي أو الحاضر على مثل تلك المقومات الهائلة ولكنها لم تستغل ولم تستخدم في تنفيذ حتى قرار واحد من القرارات الجماعية.

وتأتي دولة واحدة كتركيا ـ لأنها استخدمت إمكانياتها خير استخدام واستغلت الفرص خير استغلال ـ لتهز العالم وتحرك الأرض من تحت حكومة الدولة العبرية بسفينة صغيرة وتسعة شهداء.

بينما قدم العالم العربي والإسلامي (بكل إمكانياته العسكرية والمادية) على مدى 60 عاماً مئات الآلاف من الشهداء لزحزحة العدو الصهيوني قيد إنملة فما كسبوا غير خسران أراضيهم في سيناء والجولان ولبنان والضفة وغزة....

لم يكن ذلك ضعفاً، وإنما سوء تدبير وإضاعة للفرص وعدم التخطيط لعملياتهم بشكل جيد وإثارة الخلافات فيما بينهم على أمور تافهة، قد لا تتعدى أحياناً مباراة لكرة القدم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010