الاثنين 9 كانون الأول (ديسمبر) 2013

درس من انتفاضة الحجارة

الاثنين 9 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par أمجد عرار

يسجل التاريخ أنه في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1987 دهست شاحنة صهيونية سيارة يستقلها عمال فلسطينيون من جباليا - البلد، في قطاع غزة كانت متوقفة في محطة وقود، ما أدى إلى استشهاد أربعة فلسطينيين وجرح عدد آخر، وأثناء تشييع الشهداء فجّر المشيعون غضباً متراكماً ومكبوتاً، بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الصهيوني في جباليا . تواصل رد الفعل في اليوم التالي في مخيم جباليا واستشهد الشاب حاتم السيسي ليؤرخ بأنه أول شهداء الانتفاضة في غزة . تدحرج رد الفعل وانتقل إلى الضفة وخرج لاجئو مخيم بلاطة في تظاهرة غاضبة، وارتقى الشاب إبراهيم العكليك ليكون أول شهداء الانتفاضة في الضفة .
لم يكن ذلك المشهد كل أسباب الانتفاضة، بل “القشة التى قصمت ظهر البعير”، والشرارة التي أشعلت غضباً مبللاً بوقود، راكمه وجود الكيان الصهيوني وممارسات حكوماته وجيشه ومستوطنيه على مدى أربعين عاماً (في ذلك الوقت)، في الجزء الأوسع من فلسطين، وعشرين عاماً في غزة والضفة والشطر الشرقي من القدس .
لم يكن قتل أربعة فلسطينيين هو الحادث الأشد إجرامية الذي يرتكبه كيان صاحب السجل الحافل بالمذابح منذ إنشائه .
الاحتلال لم ينشأ يوم حادثة الشاحنة، إذاً، لا يكفي ذلك الحادث لاعتباره سبباً . السبب أشمل من حادث وأكثر عمقاً، وهو يعود لكل ما يترتب على الاغتصاب والاحتلال والاستيطان والعدوان . من المهم جداً للفلسطينيين وللعرب، خاصة هذه المرحلة، ولكل شعوب العالم، أن نحلل العنصر الحقيقي لديمومة الانتفاضة واستمرارها سبع سنوات كان فيها الشعب الفلسطيني، بخاصة في الضفة وغزة، خلية نحل انتفاضية لم تهدأ .
العنصر الأساسي الذي صنع الديمومة هو توسّع فصائل منظمة التحرير من فصائل تضم عناصر سرية منظمة، إلى تنظيمات لها امتدادات شعبية . كان الظرف في 1987 ناضجاً تماماً لقيادة ذلك الفعل الكفاحي الشعبي، حيث تم تشكيل قيادة وطنية موحّدة يهتدي ببياناتها وتعليماتها كل المنتفضين، وكانت قيادات ظل متسلسلة وجاهزة لاستلام القيادة بدل أولئك الذين يعتقلهم الاحتلال .
“إسرائيل” بكل ما تدّعيه عن قدرات استخبارية خارقة لم تقدّر حقيقة المستجد، بدليل أن وزير جيشها ذهب بعد ثلاثة أيام من حادث الشاحنة في زيارة إلى الولايات المتحدة، وعندما عاد تحدّث في مطار اللد باستخفاف وتعهّد “تكسير أرجل وأيدي” المنتفضين، واتهم سوريا وإيران بإشعال “الأحداث”، فيما كان إسحاق شامير سبقه باتهام منظمة التحرير الفلسطينية . كان كل ذلك تشخيصاً هروبياً، إذ لا يمكن لأي عامل خارجي أن يحرّك شعباً لسنوات عديدة .
وجود القيادة الوطنية الموحّدة، وثقة الشعب بها وبكونها تمثّل مطالب الشعب، وامتداداً لمنظمة التحرير، أنشأ حالة من الفعل المتناغم والقادر على الاستمرار مهما فعل الاحتلال الذي فعل كل شيء لاستفزاز الفلسطينيين ودفعهم للخروج عن المنسوب الشعبي الذي تبلور واشتهر عالمياً بمسمى “انتفاضة الحجارة”، وقد حيّد الفلسطينيون السلاح، إلا على نطاق ضيق لم يغيّر الصورة الكلّية . لم يكن للانتقام وردود الفعل غير المدروسة مكان في قاموس كفاح سيمفوني متناسق، لكن عندما وقعت قيادة المنظمة في فخ الوهم وتسرّعت في قطف الثمار عبر اتفاق أوسلو البائس، أجهضت الانتفاضة ولم تحقق أهدافها



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165892

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165892 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010