الأحد 8 كانون الأول (ديسمبر) 2013

استراتيجية نتنياهو ومتطلبات مواجهتها

الأحد 8 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par علي جرادات

ي العام 1988 وفيما كانت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى في أوجها، أقدمت قيادة منظمة التحرير على الاعتراف بالقرار الدولي 242 لقاء فتْح قناة اتصال مع الولايات المتحدة . بذلك اختزل برنامج “الدولة والعودة”، أي “البرنامج المرحلي”، في إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في العام 1967 . وفي مؤتمر مدريد للسلام، ،1991 وافقت قيادة المنظمة على اعتماد المفاوضات المباشرة تحت الرعاية الأمريكية استراتيجية أساسية، كي لا نقول وحيدة، لإيجاد تسوية سياسية للصراع على أساس “الأرض مقابل السلام” . وبذلك حلت استراتيجية تحقيق الدولة بالتفاوض محل استراتيجية المقاومة الشاملة ل“إنهاء الاحتلال” على طريق إقامة الدولة . وفي العام 1993 أبرم “اتفاق أوسلو” وتم الاعتراف بوجود وأمن “إسرائيل” غير محددة الحدود ومن دون إيقاف عمليات مصادرة الأرض واستيطانها وتهويدها . بهذه التنازلات الفلسطينية المجانية المتسرعة، وأخطرها مواصلة التفاوض مع استمرار الاستيطان، صار مجرد وهم تحصيل دولة فلسطينية مستقلة وسيدة وعاصمتها القدس، فيما الأرض المراد إقامتها عليها تتعرض لعملية مصادرة واستيطان وتهويد وتفريغ ممنهجة ومسعورة ومتصاعدة، فيما منظومة الفكر الصهيوني التوسعي العدواني هي المحرك الأساسي والإستراتيجية الثابتة لسياسة “إسرائيل” وحكوماتها المتعاقبة .
والأنكى أنه في العام 2009 أدركت قيادة منظمة التحرير مخاطر مواصلة المفاوضات مع استمرار الاستيطان، فجمدت المفاوضات واشترطت استئنافها بتحديد مرجعيتها والوقف الشامل والكلي لعمليات الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس، لكنها لم تصمد أمام الضغط الأمريكي، فعادت للتفاوض مع حكومة نتنياهو الأولى لقاء تجميد شكلي وجزئي ومحدود ومؤقت، (ثلاثة أشهر) لعمليات الاستيطان في الضفة، بل ومن دون أن يشمل القدس أيضاً . انتهت مدة هذا التجميد الصوري ولم تتمخض المفاوضات إلا عن تمادي حكومة نتنياهو، حيث وضعت الاعتراف بكيانها غير محدد الحدود “دولة للشعب اليهودي” شرطاً لاستئناف المفاوضات أو، (والأمر سيان)، لإبرام اتفاق حول “قضايا الوضع النهائي”، أي جوهر القضية الفلسطينية، جرياً على ما كانت قد طرحته حكومة أولمرت في نهاية العام ،2007 وطالبت بأن تتضمنه تفاهمات “مؤتمر أنابولس” .
رغم هذا المطلب التعجيزي المساوي لتصفية جوهر القضية الفلسطينية، ورغم أن جولتين عقيمتين من مفاوضات “التجريب” و“الاستكشاف” لم تؤديا إلى زحزحة حكومة نتنياهو الثانية قيد أنملة عن جوهر ثوابتها وشروطها، خاصة رفض وقف الاستيطان، قبلت قيادة منظمة التحرير تحت ضغط إدارة أوباما الثانية استئناف التفاوض لمدة تسعة أشهر توشك على الانتهاء من دون نتيجة سوى تصعيد ما تنفذه -منذ سنوات- حكومة نتنياهو ليبرمان، أكثر حكومات “إسرائيل” تشدداً سياسياً وأيديولوجياً، من مخطط لاستكمال مصادرة واستيطان وتهويد ما تبقى بيد الفلسطينيين من أرضهم .
هنا وبما أن إدارة أوباما ضمنت استمرار المفاوضات مع الاستيطان حتى انتهاء التسعة أشهر المحددة لها، خاصة أن “همروجة” استقالة الوفد الفلسطيني المفاوض لم تنفذ، فإن من الطبيعي أن ينصب الضغط الأمريكي على الفلسطينيين للقبول بتمديد أمد المفاوضات . يشي بذلك ما سربته الصحافة “الإسرائيلية”، وأقرت به أوساط دبلوماسية رسمية أمريكية، وفحواه: لن يركز وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، القادم إلى المنطقة من جديد، على الاستيطان واستمراره وتصعيد وتائره، إنما على تقديم مقترحات تطمئن حكومة نتنياهو، وتستجيب لمطالبها الأمنية، وأهمها: بقاء الكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى، وتحويل جدار الفصل إلى حدود سياسية، واستمرار السيطرة العسكرية والأمنية “الإسرائيلية” على المعابر وعلى طول الحدود مع الأردن . وكان لافتاً تناغم موقف الاتحاد الأوروبي مع الموقف الأمريكي في هذا السياق، حيث حذر مصدر دبلوماسي أوروبي رسمي من أن يفضي انسحاب الفلسطينيين من المفاوضات إلى قيام “إسرائيل” بإعادة احتلال الضفة، (وكأنها ليست محتلة في الواقع)، أو إلى تنفيذ “خطة الانطواء” فيها، وبالتالي إلى انهيار “السلطة الفلسطينية” ومصادر تمويلها . هنا ثمة تهديد أوروبي مبطن لا يشي بالتناغم مع الضغط الأمريكي، فقط، بل يؤكد أيضاً أن الدور الأوروبي بما يقدمه من تمويل ل“السلطة الفلسطينية” إن هو إلا دور وظيفي يتكامل في التحليل الأخير، كي لا نقول يخدم، الضغط الأمريكي على الفلسطينيين لمواصلة المفاوضات مع استمرار الاستيطان . ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني أن من الوهم، بل هو الوهم بعينه، تصديق أن حكومة الاستيطان والمستوطنين بقيادة نتنياهو ليبرمان، في وارد إيجاد تسوية سياسية للصراع التاريخي المفتوح بين المشروع الوطني الفلسطيني التحرري والمشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الإحلالي . أما كلام إدارة أوباما عن نيتها لعب دور من شأنه إيقاف عجلة المصادرة والاستيطان والتهويد لما تبقى من الأراضي المحتلة عام ،1967 فمحض خداع لتجديد أوهام الرهان على المفاوضات العبثية بينما تتواصل على قدم وساق، وبصورة مسعورة، عمليات التفريغ والمصادرة والاستيطان والتهويد، لا في الضفة والقدس فقط، إنما أيضاً في الجليل والمثلث والنقب المراد ابتلاع 800 ألف دونم من أرضه واقتلاع أهلها الفلسطينيين وحشرهم في رقعة لا تزيد على 1% من مساحة النقب، تنفيذاً لخطة الصهيوني “برافر”، بما يعيد للذهن خطة كينغ لتهويد الجليل التي فجرت -في مارس/ آذار العام 1976- هبة يوم الأرض، القفزة النوعية في سياق نضال الفلسطينيين ودفاعهم عن أرضهم وتشبثهم بها . وهو ما يتكرر اليوم، حيث يهب الفلسطينيون في النقب وحيفا ورام الله والقدس وغزة للدفاع عن أرضهم تحت شعار ناظم: “لن تمر خطة برافر”، ما استفز رمز التطرف الصهيوني، ليبرمان، حيث قال: “الفلسطينيون يسرقون أرض الشعب اليهودي” . يبدو أن ليبرمان ونتنياهو قد صدقا أن الفلسطينيين يمكن أن يكفوا عن الدفاع عن أرضهم أو أنهم سيقبلون بصيغة “السلام بتوفير الأمن ل”الإسرائيليين“والاقتصاد للفلسطينيين”، أو أنهم
سيقرون بأسطورة “الروابط التاريخية بين الشعب اليهودي وأرضه” .
بقي القول: هذه هي إستراتيجية حكومة نتنياهو، بشقيها السياسي والميداني، لتصفية جوهر القضية الفلسطينية . وهذه هي حقيقة الرعاية الأمريكية للمفاوضات . أما مواجهة هاتين الحقيقتين بجدية وبشمولية، سياسياً وميدانياً، فلن تكون إلا بالخروج من نهج التفاوض مع الاستيطان، وبإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني بعد أن فككت عناصره عشرون عاماً من المفاوضات العبثية والتنازلات المجانية المتسرعة . وكل ذلك من دون أن ننسى التطور النوعي الحاصل على دور مستوطني الضفة والقدس، حيث صاروا، بلا شك أو ريب، في مركز صناعة القرار “الإسرائيلي” في السياسة والتشريع والجيش والأمن



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010