السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) 2013

طرابلس: افتراق أم المزيد من الشيء نفسه؟

السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par د. عصام نعمان

اسمها طرابلس الشام تمييزاً لها عن طرابلس الغرب في ليبيا . طرابلس اللبنانية، وإن ليست جغرافياً جزءاً من إقليم دولة سوريا، فقد أصبحت، خلال الحرب فيها وعليها، شامية بامتياز . كذلك طرابلس الليبية . فهي، وإن ليست جزءاً من الغرب الأوروبي والأمريكي، فقد أصبحت، خلال “الثورة” على القذافي، غربية أطلسية بامتياز .
إنها “لعبة الأمم” تجري في بلادنا العربية من خليجها إلى المحيط بحرارة وعلى مراحل . اللاعبون الكبار يبارون اللاعبين الصغار . لكن الأهداف تُسجل دائماً في مرمى الصغار، بلا هوادة .
تأتي طرابلس الشام هذه الأيام في طليعة ملاعب “لعبة الأمم” نشاطاً بلاعبيها والمتفرجين . اللاعبون ومعظمهم من أهاليها وسكانها، انقسموا فريقين . يقف وراء كل فريق مشجعون وممولون من كل دول العرب والغرب . “المباريات” تجري ليلاً ونهاراً بلا توقف، وقد تمكّن كل فريق من تسجيل أهداف في مرمى الفريق الآخر حتى ناهزت الأهداف في مجموعها أكثر من ،14 وحبل التصويب والإصابات على الجرّار .
أخيراً، أحسّ حَكَما المباريات، رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أن الإصابات في جمهور الفريقين قد فاقت قدرة أهالي طرابلس على الاحتمال، فقررا وقف المباريات بقوة السلاح . ولأن سلاح قوى الأمن الداخلي لم ينفع في الماضي “التليد” في وقْف الاشتباكات بين اللاعبين والمتفرجين على حدٍ سواء، فقد قرر الحَكَمان الحاكمان وضع كل قوى الأمن تحت إمرة الجيش لظنّهم أن الجيش أكثر قدرة على الحزم والحسم .
ثمة حَكَمٌ ثالث كان حاضراً عندما قرر الحاكمان وضع قوى الأمن كلها بإمرة الجيش . إنه قائد الجيش العماد جان قهوجي . لولا موافقته على تحمّل مسؤولية الإمرة وموجباتها لما تمكّن الحاكمان أصلاً من اتخاذ القرار الحازم بشأنها . تردّد أن قهوجي اشترط، لقبوله الإمرة على قوى الأمن كلها، ألاّ تتردد القيادات والفعاليات السياسية في دعم الجيش في مهمته الوطنية .
هل ينجح الحكام والحكماء والجيش في وأد الفتنة في طرابلس وإعادة الأمن والأمان إلى سائر أنحاء لبنان؟
بوادر المبادرة الرئاسية والحكومية الأخيرة توحي بأنها ستشكّل افتراقاً عن المبادرات السياسية والخطط الأمنية التي جرى إطلاقها في الماضي ولم تحرز نجاحاً يذكر . مع ذلك، فإن تحقيق الأهداف المرتجاة من المبادرة الأخيرة تتوقف على شروط ثلاثة:
* أولها، توقف الجهات الخارجية، العربية والغربية، عن تمويل وتسليح المنظمات المحلية التي تتوسل الإرهاب في نشاطها السياسي، وتلك التي تؤجر “خدماتها” القتالية لقوى خارجية ذات مآرب سياسية على الساحة اللبنانية . تجفيف مصادر التمويل والتسليح كفيل بكسر سطوة المسلحين الذين تمادوا في غيهم حتى تجاوزوا السياسيين المحليين واحتكروا أو كادوا القرار في طرابلس وغيرها من المناطق المشتعلة .
* ثانيها، استمرار القيادات والفعاليات السياسية، بمختلف تلاوينها وانتماءاتها، في دعم مطلب الناس جميعاً في الأمن والأمان . ذلك أن تراجع أي فريق سياسي فاعل عن تأييد الجيش في حملته المتجددة على العابثين بالأمن يؤدي إلى فتح ثغرة في جدار الدفاع عن أمن المجتمع، وبالتالي إلى تسلل التنظيمات المشبوهة والعاملة في خدمة القوى الخارجية إلى ممارسة الابتزاز والسطو على حقوق الناس وحرياتهم .
* ثالثها، تصميم بل مدى تصميم قائد الجيش العماد قهوجي على إنفاذ المهمة الصعبة والبالغة الحساسية الموكولة إليه . ذلك أن أي تراخٍ في عزيمة القائد على جبه الصعوبات والمخاطر تؤدي بالضرورة إلى خلخلة صفوف مرؤوسيه من جهة، والقاعدة السياسية العريضة التي تدعمه في مهمته الوطنية والأمنية من جهة أخرى . لقد تحمّل قهوجي مسؤوليته بجدارة أثناء التصدي قبل أشهر لظاهرة الشيخ أحمد الأسير في صيدا، وأبدى من الحزم والتصميم ما مكّنه من إنهاء تمرده وتعطيل حركته المذهبية الفتنوية . ولعله لن يتأخر في ممارسة تصميم وعزم مماثلين في طرابلس لإنهاء ظاهرة التمرد المتمادي والمنزلق إلى الفتنة المذهبية .
إلى ذلك، لا تغيب عن ذهن العماد قهوجي تجربة زميله القائد السابق للجيش العماد ميشال سليمان بعد تفجّر تمرد دموي صاخب في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمالي لبنان سنة 2007 بقيادة منظمة “فتح الإسلام” . فقد أسندت الحكومة، مدعومةً بقوى سياسية متعددة الانتماءات إليه، مهمةَ القضاء على التمرد، فكان أن أنجز انتصارين: التغلب على المتمردين وتخليص المخيم المنكوب من إجرامهم، والصعود إلى صدارة المرشحين المؤهلين لرئاسة الجمهورية التي بقيت شاغرة لمدة أشهر . وفي مؤتمر الدوحة سنة 2008 كوفئ العماد سليمان على جهوده المضنية، فجرى التوافق على اختياره رئيساً للجمهورية وانتخابه رسمياً في مجلس النواب .
ظروف لبنان السياسية والأمنية في العام 2013 تختلف كثيراً عمّا كانت عليه في العام ،2008 فقد أصبحت أكثر تعقيداً ودموية . مع ذلك، فإن الأمل بالرئاسة قد يدغدغ خيال قهوجي ويحمله على أن يكون جريئاً وحكيماً في تنفيذ المهمة الموكولة إليه . ولعل ظاهرتين فاعلتين تعززان طموح قهوجي: عدم وجود مرشح مدني، في الوقت الحاضر، مؤهل لحيازة توافق واسع عليه، ورسوخ تقليد اختيار قائد الجيش لرئاسة البلاد في الأوقات العصيبة . أليس هذا ما حدث مع اللواء فؤاد شهاب خلال “ثورة” العام ،1958 ومع العماد أميل لحود بعد إنهاء الحرب الأهلية باتفاق الطائف، ومن ثم حال الاضطراب الأمني والسياسي الذي رافق انتهاء ولاية الرئيس إلياس الهراوي العام ،1998 ومع العماد ميشال سليمان بعد حال الاضطراب الأمني والسياسي الذي أعقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم حرب “إسرائيل” الثانية على لبنان العام 2006؟
لبنان ما زال في حمأة “لعبة الأمم”، فهل ينتهي قرار الإمرة للجيش إلى تعثّر جديد، وبالتالي إلى المزيد من الشيء نفسه، أم أن العماد قهوجي ينجح في تحقيق اختراق في جدار الأزمة، وبالتالي تدشين افتراق لافت عن حاضرٍ مترعٍ بالمآسي والآلام باتجاه مستقبلٍ زاخر بالأمن والأمان؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165450

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165450 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010