الجمعة 6 كانون الأول (ديسمبر) 2013

لماذا الصلف “الإسرائيلي”؟

الجمعة 6 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par رغيد الصلح

نقلت وكالة أنباء صحفية فرنسية عن الرئيس الأمريكي أوباما وصفه لرئيس الحكومة “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو بأنه صلف ولا يستمع إلى آراء الآخرين، وإذا استمع إليهم فإنه يظهر عليه الاستخفاف بها . عبر أوباما عن رأيه هذا بعد أول مقابلة تمت بين الرجلين خلال شهر مارس/ آذار من السنة الفائتة . هذا الوصف لرئيس الحكومة “الإسرائيلي” تكرر مراراً على ألْسنة ساسة غربيين منهم يصفون أنفسهم بأشد المدافعين عن “إسرائيل” . ولكن بينما يذهب ناقدو نتنياهو إلى اعتبار هذه الصفة ملازمة له هو تحديداً، فإن “إسرائيليين” عديدين يقولون إن هذه الصفة تنطبق، على اكثرية صناع القرار والرأي “الإسرائيليين”، كما ينطبق على العديدين من “الإسرائيليين” العاديين .
من الذين يرجحون هذا الرأي الأخير، تامي ليبوفيتش الخبيرة “الإسرائيلية” في العلاقات الاجتماعية والاتصالات، وهي تعتقد أن “الإسرائيليين” بصورة عامة يشكون من صفة الغطرسة، ولكن هذه الظاهرة تبرز بصورة خاصة عند النخبة السياسية، وكذلك عند اتصال “الإسرائيلي” مع الأجانب . وإدراكاً من ليبوفيتش بضرر هذه الصفة فقد أنشأت مؤسسة خاصة للاتيكيت وللتهذيب في تل ابيب، وهي موجهة بصورة خاصة لهذه النخبة من السياسيين . فهل استفاد أولئك بصورة كافية من هذه المدرسة التي تبلغ العشرين عاماً من العمر؟
أكثر الأجوبة التي أتت على ألْسنة “الإسرائيليين” الذين استفتوا في هذه المسألة والذين ينتمون إلى شرائح اجتماعية متنوعة وخلفيات متعددة تدل على أن هذا لم يحصل حتى هذا التاريخ . لماذا؟ تعيد ليبوفيتش هذه الظاهرة إلى التطور الذي طرأ على “الإسرائيليين” بعد أن غادروا الشتات “الإسرائيلي” وانتقلوا إلى “إسرائيل” للاستيطان فيها . ففي الشتات، فرض على اليهودي ان يكون مهذبا وأن يبتعد عن المواجهات والاستفزازات لئلا يتعرض إلى المتاعب من يعتبرونهم معادية للسامية . أما عندما انتقل “الإسرائيليون” إلى الكيان، فقد تحرروا من التهذيب المفروض، ومن القمع الذاتي الذي مارسوه على أنفسهم، وباتوا يتصرفون على سجيتهم، وفي كثير من الأحيان على نحو خارج عن الأصول الاجتماعية .
إن هذه الظاهرة لا تشكل خطراً على الآخرين من غير “الإسرائيليين” ولا على “الإسرائيليين” أنفسهم إذا انحصرت في نطاق السلوك الشخصي الذي لا يصل إلى حدود العنف . ونحن نلاحظ الكثير من الظواهر المشابهة في مجتمعات عربية التي تتطور مع الأسف وبسرعة إلى استخدام العنف . ولكن الفرق هنا أن انتشار هذه الظاهرة بين أصحاب القرار وصناع الرأي يفسح في المجال أمام اتخاذ قرارات عدوانية ومخالفة لأي عرف أخلاقي في السياسة وغيرها . إنها تهيئ للسياسي “الإسرائيلي” استسهال الكذب والتلاعب والتحايل على الآخرين بل وعلى “الإسرائيليين” أنفسهم . هذا ما جعل دان مريدور وهو من سياسيي الوسط في “إسرائيل” لأن يتهم نتنياهو بأنه “شرشح الكذب” لفرط ما كذب على “الإسرائيليين”! وما دفع احد الباحثين “الإسرائيليين” إلى الاشادة ب“حربائية حاييم وايزمان” وقدرته على خداع الآخرين .
تبرز النتائج الأخطر لهذه الظاهرة في المفارقة بين الموقف العلني الذي تتخذه “إسرائيل” تجاه القضايا الدولية، وبين موقفها الواقعي منها . وكأمثلة على هذا النهج يمكننا العودة إلى المواقف التالية:
1- الادعاء بأن العرب والايرانيين، بمحاولاتهم المتكررة من أجل صنع أو حيازة القنبلة الذرية، فانهم يبدأون سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط . هذا الادعاء يصطدم بواقع امتلاك “إسرائيل” للقنبلة الذرية منذ الخمسينات، وبأنها تملك القدرة على استخدام السلاح النووي ضد دول بعيدة عن حدودها . كذلك يصطدم هذا الادعاء، بما ينطوي عليه من غطرسة، بإصرار “إسرائيل” على عدم توقيع معاهدة منع انتشار السلاح النووي، وامتناعها عن فتح منشآتها النووية للمراقبين الدوليين .
2- التمسك “الإسرائيلي” بالعقوبات الاقتصادية والسياسية ضد دول عربية وضد إيران، مع أنها قادت حملة ناجحة لإسقاط وإنهاء المقاطعة الاقتصادية العربية ضدها، بحجة أن المقاطعة منافية للشرائع الدولية ومعطلة للسلام بين الأمم .
3- مقارنة “الإسرائيليين” البعض من زعماء الغرب برئيس الحكومة البريطاني نيفيل تشيمبرلن الذي وقع معاهدة سلام مع هتلر عام 1938 . ويسلط “الإسرائيليون” هذا الاتهام على أي زعيم غربي يعطي الأولوية لأساليب الضغط الاقتصادي والسياسي على الخيار العسكري في تعامله مع العرب أو الايرانيين . اما المفارقة الكبرى في هذا الاتهام، فإن المنظمات الصهيونية كانت قد سبقت تشمبرلن إلى توقيع معاهدة مع هتلر عام 1933 للتعاون على تسفير اليهود الألمان والأوروبيين إلى فلسطين، واستمر التعاون إلى ما بعد إلغاء الحكومة البريطانية معاهدة هتلر-تشمبرلن .
4- تحميل العرب مسؤولية انتشار الإرهاب في المنطقة والعالم، مع أن المنظمات الصهيونية هي التي بدأت بممارسة أساليب الإرهاب هذه خلال الثلاثينات في المنطقة العربية بعد تحديثها وتطوير أساليبها وتقنيتها كما ظهر خلال اغتيال اللورد موين وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط في القاهرة، والكونت برنادوت المبعوث الدولي إلى الشرق الأوسط، وتفجير فندق الملك داود في القدس .
عندما يكشف أي مراقب دولي عن هذا التناقض ويضع السياسة “الإسرائيلية” على المحك، فإن “الإسرائيليين” يتهمونه بأنه معاد للسامية . ولكن هذا الاتهام الذي يسلط على رؤوس ناقدي “إسرائيل” وسياستها التوسعية والاستيطانية، ليس هو السبب الأكثر فاعلية في شحذ صلف القيادات “الإسرائيلية” . السبب الأكبر أهمية الذي أدى إلى هذه الظاهرة هو استعداد “المجتمع الدولي” أو بالأحرى المجتمع الأطلسي، للمصادقة على أي ادعاء يصدر عن “إسرائيل” . فحتى الآن لم يبدر عن هذا المجتمع أي تحرك ضد القنبلة الذرية “الإسرائيلية” رغم ما تردد أن “إسرائيل” كانت خلال حرب 1973على وشك تهيئة مخزونها منها لضرب عواصم عربية . وحتى الآن لم يجر اي تحقيق في ملابسات اغتيال الكونت برنادوت، وآثرت الحكومة السويدية وهي الأرقى والأشد تمسكاً بمعايير العدالة الدولية تأجيل التحقيق في هذه القضية التاريخية لئلا ينكشف دور الطاقم الحاكم “الإسرائيلي” وخاصة دور رئيس الحكومة “الإسرائيلي” الأسبق اسحاق شامير المباشر في اغتيال المبعوث الدولي السويدي الجنسية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178461

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178461 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40