الخميس 5 كانون الأول (ديسمبر) 2013

قيصرية روسية جديدة لم تغر العرب بعد

الخميس 5 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par فيصل جلول

قبل سنوات معدودة كانت أوكرانيا وجيورجيا تستأثران بعناوين الصحف العالمية بوصفهما البلدين الأكثر اضطراباً على حدود روسيا الاتحادية . وكان هذا الاضطراب يقدم بوصفه مخاضاً ديمقراطياً محموداً بعد سنين من “العسف السوفييتي”، بالمقابل كانت موسكو تنظر إلى ما يجري في البلدين وفي البلدان التي كانت تابعة لها بوصفه استهدافاً لها وتدخلاً غربياً مباشراً في حديقتها الخلفية وبما أن المخاض الروسي نفسه لم يكن قد استقر بعد على البوتينية ذات الملامح القيصرية الحديثة فقد صمت الروس وابتلعوا ما اعتبروه إهانة بانتظار ظروف أفضل .
وكان رهانهم صائباً تماماً فقد ضعف الغرب جراء حروب بوش الغبية التي تسببت بأزمة الأسواق وبركود اقتصادي منهك وطويل الأمد، ومن هذا الضعف انطلقت إدارة بوتين تستعيد ليس فقط نفوذاً تاريخياً على
حدودها المباشرة وإنما أيضاً دوراً أساسياً في الشرق الأوسط والعالم .
ولا مبالغة في القول أن استراتيجية عزل روسيا وتطويقها بديمقراطيات مزعومة قد انتهت إلى فشل ذريع يمكن الوقوف على آخر مظاهره في القمة الأوروبية الأخيرة التي عقدت في ليتوانيا وضمت ممثلين عن 28 بلداً أوروبياً وست دول سوفييتية سابقة هي أوكرانيا ومولدافيا وجيورجيا وأذربيجان وأرمينيا وبيلوروسيا .
وكان من المفترض أن توقع أوكرانيا خلال القمة اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي بيد أن الرئيس الأوكراني فيكتور لوكاتشنكو امتنع عن التوقيع بفعل ضغوط روسية، الأمر الذي اعتبره الأوروبيون إهانة وأعربوا عن رفضهم “للفيتو الروسي” ولنظرية “السيادة المحدودة” التي اعتمدتها موسكو السوفييتية في العام،1970 وتقضي بامتناع الدول التي تدور في الفلك السوفييتي عن توقيع اتفاقات دولية من دون مباركة الروس الذين أعطوا لأنفسهم الحق في فحص الاتفاقات المفترضة لمعرفة ما إذا كانت تتعارض مع مصالحهم .
ويتعدى فائض النفوذ الروسي المستعاد حدود روسيا السابقة ففي يوم واحد أعلن بوتين أن بلاده ستطلق خمسة أقمار اصطناعية حربية، وفي اليوم الذي سبقه كانت طرفاً في تحديد موعد لمؤتمر جنيف حول الأزمة السورية، وعن نيته في حماية مسيحي الشرق الأوسط لا سيما أقباط مصر وكاثوليك سوريا، وفي أيام قليلة سابقة كانت طرفاً أساسياً في الاتفاق الغربي مع طهران حول الملف النووي الإيراني، وكانت أيضاً تعمل على حل مشكلتها المزمنة مع اليابان حيث لم يوقع البلدان اتفاق سلام منذ الحرب العالمية الثانية .
وإذ نتحدث عن اليقظة البوتينية القيصرية فإننا لا نهمل بطبيعة الحال الموقع الروسي الاستراتيجي الذي ينطوي على حدود مع 18 دولة تجمع بين تخوم أوروبا واليابان والصين والهند والشرق الأوسط .
وتتمتع روسيا بمساحة جغرافية أشبه بالقارة وتنطوي هذه المساحة على مصادر أولية استراتيجية كالغاز والنفط والمعادن المختلفة وهي تحتفظ بقوات مسلحة مليونية وبسلاح نووي استراتيجي فضلاً عن موقعها الدائم في مجلس الأمن وعلاقاتها الوثيقة بعدد كبير من دول العالم في مختلف القارات، لا سيما تلك التي تبحث عن شريك دولي لا يخضع للإملاءات الأمريكية .
أما على الصعيد الداخلي الروسي الذي يحسب عادة في ضعف الدول وقوتها فالواضح أن المعارضة الداخلية تدور بمعظمها حول خيارات بوتين في الداخل والخارج وما تبقى من رموز “الديمقراطية الغربية” . يقتصر على مجموعات صغيرة معزولة تكاد النزعة الوطنية الروسية الجارفة أن تحيلها إلى خانة الارتباط المباشر بالأجنبي .
يفضي ما سبق إلى خلاصة مفادها أن “قيصر” روسيا الجديد فلاديمير بوتين رفع بلاده خلال سنوات قليلة من الحضيض إلى مرتبة سامية على المسرح الدولي بل إلى لاعب أساسي في النظام العالمي المتعدد القطبية المرتقب . وبالتالي صار بوسع العرب الذين اضطروا زمناً طويلاً للخضوع لإملاءات القطب الاوحد ان يراهنوا على القطب الروسي العائد ولكن هذه المرة بلا أيديولوجية ماركسية وبلا نظام مركزي بيروقراطي وبلا أطماع جيوستراتيجية متوحشة؟
الجواب عن السؤال بدأ جزئياً أو كلياً من طرف دول عربية أساسية، فمن المعروف أن سوريا حافظت على حلفها الاستراتيجي مع موسكو الممتد منذ الحرب الباردة وكان من الطبيعي أن تلعب روسيا دوراً مركزياً في الاتفاق حول الكيماوي السوري، وفي السياق أعلنت اليمن مراراً عن رغبتها في توثيق العلاقات مع الروس وقد زار موسكو مؤخراً الرئيس عبد ربه منصور هادي، أما مصر فقد أعلنت عن رغبتها في إقامة علاقات وثيقة على كل صعيد مع الروس من دون التخلي عن العلاقات مع الولايات المتحدة وتلك أيضاً حال الجزائر وتشذ ليبيا عن القاعدة في المغرب العربي بسبب اعتقاد الليبيين بأن موسكو كانت تقف على الضد من التدخل الأطلسي لإطاحة العقيد القذافي، وتبقى روسيا
القطب الدولي الأبرز في دعمه ودفاعه عن القضية الفلسطينية .
ويظل الاندفاع العربي نحو روسيا العائدة بقوة إلى المسرح الدولي محكوماً برد الفعل على التغيير الذي طرأ على سياسة واشنطن الشرق أوسطية ما يعني أن العرب مازالوا بعيدين تماماً عن رسم مستقبل للشراكة الجدية مع دولة لم تستعمر يوماً أراضيهم وكانت مصدرهم الأهم في السلاح والتنمية ومعينهم الأبرز على الساحة الدولية فضلاً عن كونها الجار الأقرب لهم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165522

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165522 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010