الخميس 5 كانون الأول (ديسمبر) 2013

الداخل والخارج في المخاض العربي

الخميس 5 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par سليمان تقي الدين

رسمت التسويات الدولية سقوفاً للصراعات الدائرة في المنطقة . فليس من طرف إقليمي يستطيع أن يتجاوز هذه السقوف . لكن التسويات الدولية مسار عام ووجهة وإطار لاحتواء النزاعات التي يمكن أن يستمر منها ما هو متعلق بشؤون البلدان الداخلية .
لا شك أن التفاهمات الدولية وضعت هيكلاً للنظام الإقليمي الذي دخل في فوضى عارمة منذ عقد من الزمن . لم تعد هناك منظومة عربية واحدة ولا مؤسسة عربية جامعة، ولم ينشأ نظام “شرق أوسطي” على نحو ما بشرت به الإدارة الأمريكية . ولم ينشأ كذلك نظام “شرق أوسطي” بهوية إسلامية واحدة أو مشتركة كما حاولت بعض دول الإقليم النافذة السعي إليه .
في مرحلة سابقة على الانتفاضات العربية استدارت تركيا نحو المنطقة بسياسة انفتاح وجدت أصداء إيجابية وفتحت أبواب التعاون معها وذهب البعض للقول: أن احتمال نشوء تعاون وتكامل بين مكونات المنطقة التاريخية الثلاث يمكن أن تتحقق . والقصد هنا: العرب والفرس والترك . وإن هذا الأمر إذا تحقق يشكل إنجازاً لشعوب المنطقة في ظل النزوع الدولي لإقامة منظومات إقليمية قوية . بل إن مثل هذا التعاون يشكل مدخلاً مهماً لمعالجة القضية الفلسطينية بما له من مكانة دولية، وبما يخلقه من بيئة عربية وإسلامية مستقرة، أساسها تشبيك المصالح والتنمية الاقتصادية، ما يساعد على ردم الهوة بين الأوضاع الاجتماعية في هذا الإقليم . لكن هذا المسار سرعان ما انتكس بقوة مع تقدم المشاريع الأيديولوجية وغلبة المصالح القومية وتظهيرها لدى إيران وتركيا .
ومنذ ثلاث سنوات دخلنا في صراع حاد لاستقطاب النفوذ في العالم العربي وليس لصياغة تعاون على حل المشكلات . وأكثر من ذلك كله، بدا العالم العربي هو الطرف الذي تدور النزاعات على أرضه وبين مكوناته، فظل الطرف المهمّش في هذه المعادلة التي يحاول رسمها الأطراف الإقليميون والدوليون . وفي كل حال لم يبق مستقراً في العالم العربي إلاّ دول الخليج التي حافظت على قوتها، ولم يظهر بعد الانتفاضات العربية إلاّ دولة مصر تتجه رغم الأزمات إلى استعادة حيويتها في وجهة تعزز الموقف العربي . فإذا ما جاءت التسويات الدولية، لم يكن العرب قد حضروا بقوة بعد في المعادلة وهم على شعورهم بالضعف والإحباط .
على المستوى الجيوسياسي وتوازنات القوى الإقليمية جرى اختراق المنظومة السياسية العربية والمجتمعات بكثافة من القوى الإقليمية، ووقعت خسائر عربية هائلة جراء الحروب الداخلية والأزمات يصعب تعويضها في مدى زمني قصير .
فإذا نحن أحصينا المشهد في هذه اللحظة فهو بلا شك مشهد يبعث على القلق من تعاون إقليمي على حساب العرب . ولعل هناك دلائل على أن قطبين أساسيين، إيران وتركيا، أخذا بالتواصل من أجل التفاهم على قضايا مشتركة عملياً هي جزء من قضايا العرب أنفسهم في العراق وسوريا .
لا مجال إذاً للتفاؤل على هذا المستوى من تشكيل إرادة عربية واحدة وفاعلة الآن للجلوس على مائدة التفاوض الدولي التي ستحاول التقدم في حل المشكلات الأخرى بعد حسم الملف الكيماوي والملف النووي واستبعاد الحرب .
العنصر الإيجابي الذي يمكن الرهان عليه هو التعاون الخليجي المصري الذي يمكن أن ينعكس على المناخ العام . فإذا استطاعت مصر أن توقف النزف الاقتصادي وأن تعالج الموقف السياسي الداخلي بحيث توقف احتمالات
اتساع العنف، فهي بذلك تضيف موقعها إلى أي دور عربي آخر .
إن ما يحكى عن “سايكس- بيكو” جديد، أو عن “يالطا” جديدة من خلال تسوية “كيري-لافروف” ليس قدراً على المنطقة بالمعنى الذي يشاع عن اقتسام النفوذ وإهمال مصالح الشعوب العربية . لا شك أن المصالح الدولية تتأمن من خلال هذه الاتفاقات خاصة في النفط والغاز وطرق إمدادهما وفي التوازنات الأمنية الكبرى . لكن الحديث عن تشكيل أنظمة المنطقة وطريقة إدارة شؤونها ليست مجرد انعكاس لهذه التفاهمات وحدها . على الأقل لم يدخل العالم العربي في مرحلة خلق كيانات جديدة أو تفكيك الدول ولو أنه دخل في أزمات سياسية داخلية تحتاج إلى تسويات أو عقود وطنية تؤمن الاستقرار وتعيد صياغة الوحدة الوطنية لكل بلد . المسألة الآن هي في معالجة الشروخ الكبيرة التي وقعت داخل هذه الدول بفعل عدم استجابة الأنظمة لمطالب شعوبها . ومن الأسف أن التسلّطية السياسية لهذه الأنظمة اتخذت أشكالاً من الانقسام الأهلي عززته السياسات الإقليمية التي استثمرت على هذا الانقسام لتوسيع نفوذها وتدخلها في الشؤون العربية . فهل تبدأ معالجة الشؤون العربية من إيجاد تعاون هدفه وقف هذا المسار؟




الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010