الأربعاء 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013

بيرس أبو النووي الإسرائيلي

الأربعاء 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par علي عقلة عرسان

أمر ذو دلالة أن تتحالف “إسرائيل” مع دول عربية وإسلامية على أرضية الشراكة في العداء ضد إيران، والتطرف الإسلامي، وسوريا الدولة القائمة. وأمر بالغ الدلالة أن يخاطب السيئ الذكر شمعون بيرس 29 وزير خارجية في افتتاح اجتماعهم في دولة عربية من مكتبه في القدس المحتلة. كان ذلك قبل أن يتم الاتفاق المرحلي في جنيف بين السداسية وإيران حول ملفها النووي، ولا نظن أن الأمور ستتغير بعده .. فمثل هذه الاتفاقيات والتحالفات لا يمكن أن تلغى بمجرد اتفاق مرحلي، بل على العكس قد يكون من شأن ذلك الاتفاق المرحلي أن يضاعف جهد العاملين على تخريب الاتفاق لأن أهدافهم قائمة ورغبتهم في زلزلة الاتفاق حول الملف النووي الإيراني مستمرة.
فبحضور تريه رود لارسن الصديق الحميم لبيرس، وهو صاحب الدور المعروف في اتفاق أوسلو ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة، ومارتين اينديك الصهيوني الذي يمثل الولايات المتحدة الأميركية في حوار الطرشان الفلسطيني ـ الإسرائيلي الجاري ـ الأميركي بامتياز وسفير الولايات المتحدة سابقاً في الكيان الصهيوني، وصاحب الدور الخفي في وثيقة كوبنهاجن الداعية للتطبيع مع إسرائيل، بعد توقيع اتفاق أوسلو وفشل ملتقى بيرس مع مثقفين عرب في غرناطة لدعم تطبيق أوسلو ونشر التطبيع مع إسرائيل والدعوة له في 9ـ 12 ديسمبر 1993 .. خاطب شمعون بيرس رئيس دولة الكيان الصهيوني وأبو السلاح النووي الإسرائيلي، خاطب 29 وزير حارجية ومسؤولين من جامعة الدول العربية وبعض بلدان العالم الإسلامي وهم مجتمعون، وقد نشرت الصحف الإسرائيلية الخبر مؤخراً، ونقلاً عن النيويورك تايمز الذي نشر الخبر فيها توم فريدمان الذي حظر الجلسة المشار إليها “كان وراء الظهور النادر تريه لارسن، كما يقول فريدمان الذي حضر الجلسة، ويتابع”.. ولارسن هو الذي أجرى اللقاء مع بيرس من فوق منصة الاجتماع، واختيار بيرس لافتتاح المؤتمر يدل على الأهمية التي تولى لعلاقة بعض الدول العربية مع دولة اسرائيل في ضوء العدو المشترك ـ ايران. وذكر بيرس “أنه توجد فرصة للحوار في ضوء الهدف المشترك ـ الكفاح ضد التطرف الإسلامي والنووي الإيراني، وعرض رؤياه للسلام العالمي.. وعندما تحدث الرئيس لم يخرج احد من القاعة وفي ختام حديثه صفق له الحاضرون.”
والتحالفات الجديدة شبه المعلنة بين بعض الدول العربية وإسرائيل تختفي خلفها الولايات المتحدة الأميركية وتباركها وتدعمها، وهي ليست في صالح العرب والمسلمين، ومن المؤكد أنها ليست في صالح الجهد السياسي الدولي الذي يرمي إلى حل سياسي للأزمة السورية عبر مؤتمر جنيف2، ولا تساهم في حل ملفات عالقة منذ سنوات بين دول كثيرة تتشابك مصالحها وقواها في المنطقة أمنيًّا واقتصاديًّا.. وهي ملفات يؤثر حلها إيجابيًّا على قضايا وعلاقات وملفات كثيرة، وعلى أمن المنطقة ومستقبل شعوبها ودولها، ومن تلك الملفات الملف النووي الإيراني الذي يجمع كثيرون على أنه سيفتح أفق تعاون جديد بين إيران والغرب، ومن شأنه أن يؤثر على حل الملف السوري وعلى أوضاع اقتصادية تهم الشعوب والدول. من المعلن أن إسرائيل تعادي هذا التوجه لأنها أصلاً تعادي السلام والقيم وتعيش على الحروب والأزمات والعدوان والتمييز العنصري، وتقف موقفاً شديد العداوة من سوريا وقضية الشعب الفلسطيني الذي تبيده وتقضي على حقوقه رويداً رويداً، وتمارس ضده عنصرية يسكت على ممارستها العالم، بل ويضم إسرائيل إلى مجلس حقوق الإنسان!؟.. بينما ملفات التهجير والاستيطان الإسرائيلية مستمرة، ومشروع “برافر” في النقب الذي يتضمن مخططاً من المتوقع أن يؤدي إلى إخلاء عشرات آلاف البدو من البلدات غير المسوية التي يعيشون فيها..“. ومن العجب أن يقول الإرهابي ليبرمان في هذا الصدد:”نحن نكافح في سبيل الأراضي القومية للشعب اليهودي"؟! في حين ليس له ولسواه من الصهاينة ويهود الخزر مجرد بصمة إبهام على الأرض في فلسطين كلها، قبل احتلالهم لها بتآمر دولي كان على رأسه بريطانيا.
وإضافة إلى مشروع برافر هناك مشروع توطين 100 ألف يهودي في الجليل لفرض الأغلبية السكانية اليهودية هناك، والعمل على تهويد القدس وتقسيم الأقصى قائم على قدم وساق، والاستيطان يقضم الضفة ويلاحق أهلها بالموت والاعتقال .. والصحافة الصهيونية ذاتها تعرضت لعنصرية دولة إسرائيل، فقالت في افتتاحية التحرير لجريدة هارتس يوم 2 ديسمبر الجاري تحت عنوان “التهويد عنصرية”.. “.. سيادة الدولة على أراضيها لا تحتاج الى أي”تعزيز“. ما يحتاج حاجة ماسة إلى التعزيز هو طابعها ـ المتساوي، غير العنصري، غير القومي المتطرف وغير الظالم. الدولة التي تشجع أبناء شعب ما على السكن في إقليم ما، وفي نفس الوقت تفرض قيودا متشددة على تنمية الحاضرة لأبناء الشعب الآخر، تتصرف بعنصرية. لا يوجد أي سبيل آخر لوصف سلوكها.”.
وفي إطار هذا التحالف أتت مشاركة إسرائيل الفعلية في معارك الغوطة الشرقية الأخيرة، ففي الاختراق الأخير لمسلحي الجبهة الإسلامية والنصرة وداعش والكتائب والألوية الأخرى التي تمت قيادتها وتوجيه تحركاتها بعد تحديد أهدافها ورسم خططها من مكتب القيادة الأميركي ـ الإسرائيلي ـ ... ـ ... في ...، قامت إسرائيل بعمل عسكري مباشر إلى جانب المسلحين المهاجمين، فركزت على قطاع الاتصالات في الجيش العربي السوري لتحدث تعمية وبلبلة، حيث تم قطع التواصل بين الفرق السورية في الغوطة الشرقية، الأمر الذي أدى إلى الاختراق السريع والسيطرة على عدة قرى.
لم يعد بعد هذا التحالف شبه السري الذي ينخرط فيه عرب وإسرائيليون ومسلمون في الاقتتال ضد عرب ومسلمين، وهو يتعمق تحت مسوغات وتعلات مختلفة لا يسيغها الوجدان العربي، لم يعد بعد هذا التحالف بين تلك الأطراف أن يقال إن إسرائيل عدو للعرب والعرب أعداء لإسرائيل، بل هناك خلط للمواقف والأوراق والتحالفات في المنطقة بدأ الإرهاص به منذ عام 2006 في عدوان إسرائيل على لبنان. فعرب إسرائيل يعادون عرباً ضدها تحت عناوين مذهبية صارخة لم يعد بالإمكان التغاضي عنها، وفي خلفية بساط الفتنة ذاك صراع على النفوذ من جهة، وجعل دول المنطقة وشعوبها في نزاع واحتراب لا يلتئم لهم صف.. ومن الداخل بدأت إسرائيل اليوم تعمل أكثر من أي وقت مضى، ضمن تحالف يتصل بملف إيران النووي وبمعاقبة سوريا لأنها لم تقبل سلام السادات كما قال السيئ الذكر شمعون بيرس ولمصالح وأهداف أخرى تهم الناتو أيضاً.
في سوريا لن تتوقف الحرب بمجرد انعقاد جنيف، فأصحاب الأهداف والخطط اكتشفوا أن الجيش العربي السوري ما زال متماسكاً وقويًّا ويحقق مكاسب على الأرض، وكان من أهداف الحرب القذرة الدائرة في سوريا تفتيت الجيش والقضاء عليه.. وفي سوريا لن يتوقف النظام عن متابعة المنظمات المصنفة إرهاباً في إعلان متجدد للدولة بأنها ستستمر في حربها على الإرهاب حتى القضاء عليه.. وأمراء الحرب الذين فرخ الأمير الواحد منهم أمراء، لن يتوقفوا عن ممارسة الدور الذي يمارسونه لتحقيق المكاسب المادية بالدرجة الأولى.. وكل هذا أو معظمه يتم في ظل وجود دول وجهات وتنظيمات عربية وإسلامية تتقاتل على أرض سوريا من أجل تحقيق أهداف وإنجاز خطط تتصل بالمذهبية والطائفية والعرقية وبالمصالح السياسية والاقتصادية الكامنة وراء هذا كله. إن سوريا ستبقى موجودة ولكن تنزف باستمرار، وستبقى دولة ولكن تلاحقها الأزمات والمؤامرات، وأهدافها المعلنة وثوابتها المبدئية لن تتحقق في القريب العاجل أو على ضفاف بحيرة جنيف.. فالأزمات والأحقاد وتصفية الحسابات والملفات التي تفرخ ملفات ستبقى مصدراً يعوق التقدم ويحول دون تحقيق التحرير ومواجهة العدو الصهيوني الذي يكرر عدواناً عليها بعد عدوان، وينجح في تجريدها من أسلحتها الرادعة لبعض أسلحة الدمار الشامل التي يملكها ويهدد المنطقة بها.. لقد ارتاحت إسرائيل لعقود من الزمن كما تقول، وهي مدة نأمل ألا تطول، وأصبح أمر هزيمتها وتحرير الأرض المحتلة من نيرها بالقوة يحتاج إلى وقت، مع وجود النخر المستمر في الجسم السوري ممن يشنون حرباً على دولتهم وعلى أنفسهم، وممن يرون الدولة ملكية خاصة لهم. ولن يلتفت أحد إلى حلول جذرية شاملة وشافية لمأساة المهجرين والنازحين والمعوقين والجرحى واليتامى والأيامى و.. و.. وسوف تزداد أمراض المجتمع العربي السوري استفحالاً من جراء الفقر والمشكلات الاجتماعية والترمل والعنوسة.. إلخ، ولذلك شؤونه وشجونه، مما ينعكس على تكوين المجتمع وقيمه وأخلاق الناس ومعيار القيمة والسلوك والتعامل.. أما ما يتصل بمستقبل التلاميذ والطلاب فحدث عن ذلك ولا حرج.
والسؤال المر: كيف يقبل عرب ومسلمون، وسوريون هم عرب ومسلمون ومسيحيون مشرقيون.. كيف يقبلون أن يستمر هذا الطفح المرَضي المميت في جسم بلدهم ومجتمعهم وعقيدتعم وثقافتهم؟! ألا يرون صلة بين مستقبلهم ومستقبل محيطهم السياسي والاجتماعي والقومي والديني والاقتصادي؟! العدو لن يرحم، ولن يتوقف عن القتل والقضم وزعزعة الثقة بين الإخوة وتنصيب الأخ عدواً لأخيه، ففي ذلك مصلحة له ونصر.. ولذا لا نسأل عن “إنسانيته” ولا عن كيف يفعل ذلك وهو يلغ بدم الفلسطينيين والعرب والمسلمين في أي مكان وفي كل وقت يتاح له ذلك فيه.. هذا إذا أضفنا أن عدونا الصهيوني هو العنصرية والمقت والعداء المطلق للقيم الإنسانية وحقائق التاريخ، ويدعمه غرب لا يخذله ويسانده في كل أو معظم ما يطلب وما يرتكب من جرائم.
لا أمل في أن يعود سوريون يقاتلون أبناء وطنهم أو يتاجرون بالمقاتلين، لا أمل في أن يعودوا إلى رشدهم وينزعون أيديهم من أيدي مشغليهم والمستثمرين في الأزمة السورية، لأن القرار لم يكن، ولن يعد، بأيدي الكثيرين منهم، بعد أن دُوِّلت الأزمة السورية على نحو ما، وبدأ التحدي مكشوفاً لتمويل القتل والتخريب.. السوريون اليوم حطب النار ورماد الحطب.. وما عدا ذلك أمانٍ وآمالٍ وتطلعاتٍ ونَخْوات وأهازيج وشعارات تنمو كالفطر السام على أرض أضحت مغمسة بالدم، ومسكونة بالكثير من الجثث، ويعاني فيها الإنسان من الفقر والجوع والبؤس واليأس، من الساسة والمناضلين والمتكلمين باسم الشعب، من الأزمات وتجار الأزمات الأشاوس الذين لن يبقوا للضعيف لحماً ولا جلداً، ويعانون من مآسٍ عششت في القلوب ولم تعد العقول قادرة على مقاربتها بحلول تؤسَّس على استيقاظ الحس الوطني والقومي والإنساني، وإعمال المنطق.. ففي مثل هذه الظروف يغيب العقل أو يغيَّب، وتطفو قشور المجتمع على السطح لتشكل "الإرادة والرؤية والقرار فيا لبؤس المآل.؟!.
وكان الله في العون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 86 / 2165435

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165435 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010