الثلاثاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2013

خطاب رئاسي مفعم بالزهو والمرارة

الثلاثاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par محمود الريماوي

قبل نحو ستة أشهر على الاستحقاق الرئاسي في لبنان (انتخاب رئيس للبلاد من طرف مجلس النواب)، وجّه الرئيس ميشال سليمان خطاباً إلى اللبنانيين بمناسبة الذكرى السبعين لاستقلال بلاده يوم الحادي والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، وصفه بأنه الخطاب الأخير في ولايته وهو المعروف بعزوفه عن الخطابة، مع الحرص على الحوار المباشر مع ممثلي سائر القوى السياسية والاجتماعية والروحية .
الخطاب الذي جاء مُفعماً بمشاعر الزهو تجاه تحقيق الاستقلال عن فرنسا قبل سبعة عقود، وبخصوص نموذج لبنان التعددي الحضاري ، جاء في الوقت نفسه زاخراً بالمرارة تجاه الأحوال التي آل إليها هذا البلد، محذراً من الفراغ في موقع الرئاسة، في وقت تدير فيه حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي دفة الأمور، ويعجز رئيس حكومة مكلف (تمام سلام) منذ زهاء خمسة شهور عن تشكيل حكومة جديدة نتيجة الاشتراطات المتبادلة بين الفرقاء السياسيين، ومع وجود مجلس النواب مُمدد له نتيجة الفشل في إجراء انتخابات نيابية جديدة والتوافق على قانون جديد للانتخابات .
الرئيس سليمان قطع الطريق على أية تكهنات بالتمديد له، إذ نأى في الخطاب الرئاسي عن أية تلميحات تتعلق بشخصه ودوره وموقعه . تحذيرات سليمان لم تتوقف عند ما يهدد المؤسسات بالشلل، فقد تحدث بوضوح بأنه “لا يمكن أن تقوم دولة الاستقلال، إذا ما قررت أطراف أو جماعات لبنانية بعينها، الاستقلال عن منطق الدولة، أو إذا ما ارتضت الخروج عن التوافق الوطني، باتخاذ قرارات تسمح بتخطي الحدود والانخراط في نزاع مسلح على أرض دولة شقيقة، وتعريض الوحدة الوطنية والسلم الأهلي نفسه للخطر”، وذلك في إشارة إلى تدخّل حزب الله في الصراع الدائر داخل سوريا . مع التشديد على أنه “لا يجدر الحديث عن الاستقلال، إذا ما عجزت الدولة عن نشر سلطتها الحصرية على كامل تراب الوطن، وضبط البؤر الأمنية، وقمع المخالفات ومحاربة الإرهاب، وإذا لم تكن القوات المسلحة هي الممسكة الوحيدة بالسلاح والناظمة للقدرات الدفاعية بإشراف السلطة السياسية” . وقد دعا لاستئناف الحوار الوطني المعطل .
الرئيس سليمان الذي يُقرن منصبه الرئاسي بلقب العماد، هو القائد السابق للجيش اللبناني، وقد جرى التوافق على انتخابه رئيساً للبلاد بين القوى الحزبية في معسكري الثامن والرابع عشر من آذار، ولم تُعرف عنه في حياته المهنية انتماءات سياسية أو حزبية .
لم يلوّح الرجل وهو المسؤول الأرفع في البلاد وصاحب الخلفية العسكرية باتخاذ أية تدابير أو إجراءات من أي نوع وبأي اتجاه، مكتفياً باستنهاض همم اللبنانيين وبث روح الوفاق الوطني والدعوة للالتفاف حول الدولة ، وفي ذلك بدا الخطاب الرئاسي أميناً على خصوصية النظام اللبناني وملتزماً بها، كما بموقعه الدستوري من دون أي تجاوز على المؤسسات الأخرى، وفي ذلك بعض ما يميز فرادة النظام في لبنان، وما يميز أيضاً شخصية الرئيس الوطنية غير الفئوية الذي سبق أن نالته سهام من اليمين والشمال، وقد ترفّع في الغالب عن الرد عليها . .
ليس سراً الآن أن لبنان بات يعيش في مهب الأزمة السورية الطاحنة، وعلى سبيل المثال فإن طرابلس عاصمة الشمال تعيش على وقع توترات دائمة وانتشار مسلحين فيها يحظون بتغطية سياسية ممن يتخذون مواقف متناقضة من الوضع في سوريا .
وكان فرقاء أساسيون قد وقّعوا ما سمي بإعلان بعبدا (مقر قصر الرئاسة)، ويقضي الإعلان بين ما يقضي به بالنأي عن النزعات والأزمات الإقليمية، كما اعتمدت الحكومة سياسة النأي بالنفس، أولاً من منطلق عدم التدخل بشؤون داخلية للدول الأخرى خاصة الشقيقة منها، وثانياً من أجل تجنيب لبنان أية تفاعلات سلبية على الساحة المحلية لأزمات خارجية، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالوضع في سوريا التي كان لها وجود عسكري في لبنان استمر طوال ثلاثة عقود حتى العام ،2005 بُعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ . وبينما يعاني هذا البلد لجوء مئات الألوف من اللاجئين السوريين إلى أراضيه، إضافة إلى المعاناة الرهيبة لهؤلاء المشردين أنفسهم، فإن التدخلات، خاصة المسلحة منها، تفاقم من المخاطر التي تهدد وحدة اللبنانيين ونسيجهم الاجتماعي وروابطهم المشتركة، فضلاً عن نقضها لمنطق الدولة اللبنانية صاحبة الولاية على أراضيها وحدودها، وتنظيم العلاقات مع دول العالم . والانفجاران الإرهابيان اللذان تعرضت لهما الضاحية الجنوبية وكذلك التفجير الإرهابي في مسجد بطرابلس هما نموذج للارتدادات الخطرة للانغماس في أزمات إقليمية .
لبنان الذي ينوء تحت وطأة مصاعب اقتصادية واجتماعية ثقيلة، والذي ما زال محتفظاً بهياكل مؤسساته الدستورية والأمنية، يتطلّع عبر خطاب رئيس البلاد للخروج من المخاطر وليس الانزلاق إلى المزيد منها، وسرعة التوافق على استراتيجية وطنية دفاعية يكون الجيش اللبناني عمادها مع التوافق على جملة القضايا الأخرى ضمن هيئة الحوار الوطني، ومما يثير التأمل ألا يجد فحوى الخطاب الرئاسي ترجمة له على أرض الواقع، وأن يتواصل التدافع السياسي والحزبي والطائفي على حاله، مع ما يحِفّ بذلك من توترات أمنية ومن حالة أقرب إلى الشلل تعانيها المؤسسات، وحصيلة ذلك كله في الأمد المنظور معروفة وقاتمة للأسف، وهي دفع البلاد إلى حالة من الفراغ وخاصة في موقع الرئاسة الأولى، وبقاء مصير اللبنانيين مُعلقاً بالمجهول .




الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2178070

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178070 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40