السبت 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

الفلسطينيون والأمم المتحدة وتقرير المصير

السبت 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par عوني صادق

صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، بأغلبية ساحقة لمصلحة قرار يؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه وإقامة دولته المستقلة . وأيد القرار (165) دولة وعارضته (6) دول بينها الولايات المتحدة و“إسرائيل” وكندا . وحث القرار جميع الدول ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة على مواصلة دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته على نيل حقه في تقرير مصيره .
وقبل ذلك بأسبوع، أكدت الأمم المتحدة في قرار آخر، على حق الشعب الفلسطيني في سيطرته وسيادته على موارده الطبيعية في الأراضي المحتلة عام ،1967 بما فيها القدس الشرقية . واعتمدت اللجنة الثانية للجمعية العامة المعنية بالمسائل الاقتصادية والمالية، بأغلبية ساحقة القرار الذي حمل عنوان “السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية”، حيث صوتت لمصلحته (162) دولة، وعارضته (5) دول بينها الولايات المتحدة وإ“سرائيل” وكندا، وامتنعت (9) دول عن التصويت بينها أستراليا والكاميرون والكونغو الديمقراطية . وطالب القرار “إسرائيل” تنفيذ التزاماتها بدقة بموجب القانون الدولي والدولي الإنساني!
ولم يكن القراران المذكوران سابقة في سجل الأمم المتحدة، إذ سبق للمنظمة الدولية أن اتخذت عشرات القرارات المماثلة منذ عام ،1947 ولم ينفذ أي منها، كما لم تمنع الحكومات “الإسرائيلية” من مواصلة مخططاتها والاستيلاء على كل حقوق الشعب الفلسطيني “غير القابلة للتصرف”، ضاربة بها وبالقانون الدولي والدولي الإنساني عرض الحائط، بفضل الدعم والتأييد الحازم للولايات المتحدة (والغرب كله من ورائها)، حتى أصبحت هذه القرارات تثير السخرية مما يسمى “الشرعية الدولية” في عالم تتحكم فيه عصابة خارجة عن كل القوانين .
لكن هذا الوضع بقدر ما يثير السخرية، يذكر بالإشكالية الكبرى التي تواجهها الأمم المتحدة وتدفع ثمنها شعوب العالم الضعيفة، إشكالية “الحق والعدالة” من جهة، و“العجز عن إحقاق الحق وتحقيق العدالة” من جهة أخرى، أو ما يمكن أن يندرج تحت عنوان “قوة الحق وحق القوة”! فكل ما فعلته وأقدمت عليه الحكومات “الإسرائيلية” في فلسطين والأراضي العربية المحتلة، كان تحت سمع وبصر شعوب العالم، وقبل وبعد قرارات الأمم المتحدة التي وصمتها بالخروج على “الشرعية الدولية” والقانون الدولي، كما كان من أفعال “القوة” التي حولتها بتأييد أمريكا والغرب الاستعماري إلى “حق” فوق القانون الدولي، لا يستحق أكثر من قرار يضاف إلى قرارات ترمى كلها في أرشيف المنظمة الدولية!
وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ومع اقتراب انتهاء خدمته كمقرر خاص للأمم المتحدة معني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قدم ريتشارد فولك تقريراً للجمعية العامة حول الشركات والبنوك المتعاملة مع المستوطنات، وأهمية مقاطعة تلك الشركات لما تمثله من تشجيع للحكومة الإسرائيلية على تجاهل تعهداتها الدولية، وعدم احترامها للقانون الدولي . في الوقت نفسه، كتب فولك مقالاً حول الموقف العام للأمم المتحدة من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وكيفية التعامل مع تلك الحقوق، نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية واسعة الانتشار، وجاء فيه قوله: إن هناك في الأمم المتحدة ثلاثة مواقف: 1) الأول يؤمن بحدوث معجزات في السياسة، وبأن “حل الدولتين” ما زال ممكناً 2)، والثاني يدعم استئناف المفاوضات المباشرة كونها أفضل من لا شيء، 3) والثالث يوهم نفسه والآخرين بأنه صوت الواقعية في عالم السياسة، ويزدري الدفاع عن الحقوق والعدالة الخاصة بالشعب الفلسطيني، ويرى أن “إسرائيل” انتصرت وعلى الفلسطينيين الاعتراف بالهزيمة والتأقلم معها! ورأى فولك أن ما تفعله الأمم المتحدة اليوم هو “شرعنة الظلم” فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني، في الوقت الذي يتوجب عليها أن تعزز السعي إلى حل يرتكز على تلبية الحقوق بدلاً من تحقيق “السلام الذي يتم تفصيله في حفل من الخداع الدولي، على الأرجح سيتم في حديقة البيت الأبيض”!!
لم تكن كلمات فولك مرثية للأمم المتحدة بقدر ما يجب أن تكون رسالة موجهة للشعب الفلسطيني وقياداته التي عليها أن تقرأها جيداً، وأن تفعل ما يقتضيه الموقف الوطني . لقد كان تعقيب سفير “دولة فلسطين” في الأمم المتحدة، رياض منصور على قرار حق تقرير المصير، متمثلاً في قوله: إن التصويت بهذه الأغلبية الساحقة هو “رسالة إلى دولة الاحتلال بأن انتهاكاتها وازدراءها للقانون الدولي مرفوضان”! فيا له من استنتاج عبقري! ألم يكن هذا ما تعيد رفضه الأمم المتحدة منذ عقود، فإلى ماذا أدى ذلك الرفض؟! وقد كان غريباً أن يشير منصور في تعقيبه إلى أن “حق تقرير المصير ليس موضوعاً للمفاوضات، إنما هو حق غير قابل للتصرف”! والأغرب من ذلك أن يذكرنا منصور بأن “كل الدول التي مارست حق تقرير المصير فعلت ذلك بمفردها ولم تتفاوض بشأنه”!
لقد حمل مقال فولك، المشار إليه، نبوءة وثقة بنيل الفلسطينيين حقوقهم الوطنية في نهاية المطاف أكثر ما يعتقد به بعض الفلسطينيين، إذ ختم مقاله بالقول: “إن المشروع الاستيطاني الاستعماري الذي تنفذه إسرائيل يقع في الجانب الخطأ من التاريخ . وإن أملنا في المستقبل الفلسطيني، وكذلك إيماننا بمنطق التاريخ، يجعلانا لا نخضع للتصورات الكئيبة لأولئك المتدثرين بعباءة الواقعية” .
لكن نبوءة كهذه لا تتحقق بالمفاوضات العبثية، أو بالتشبث بالأوهام، والمراهنة على طرف كان السبب الأول في تحقيق ما وصلت إليه القيادات الصهيونية من أهداف، كلها قامت وتقوم على عدم اعترافها بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وأولها حقه في تقرير مصيره بنفسه وعلى أرضه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165758

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165758 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010