الخميس 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

أزمة وفد أم فشل نهج؟

الخميس 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par محمد العبدالله

فاجأ كبير المفاوضين صائب عريقات مع زميله محمد اشتيّة، الإعلام بتقديمهما استقالتيهما من وفد المفاوضات، لرئيس سلطة الحكم الذاتي المحدود. الإعلان جرى بعد انفضاض اجتماع اللجنة المركزية للحزب الحاكم في رام الله المحتلة. اللافت في الاستقالة أن صاحب موقف «المفاوضات حياة» قد أقدم على الخطوة بعدما شعر لأنّ الوفد المقابل له، لم يتقدم بأية أفكار أو اقتراحات تساعد على تحقيق إنجاز ما، يستطيع من خلاله الطرف الفلسطيني المفاوض أن يوفر لمبادرة كيري «عملية التفاوض» إمكانية الدفع للأمام، مبدياً في ذات الوقت قلقه من قيام حكومة الاحتلال باستغلال اتفاق إطلاق سراح الأسرى القدامى من معتقلاتها لغايات تعزيز المشاريع الاستيطانية، واصفاً الادعاءات الإسرائيلية التي تتحدّث عن أن اتفاق الأسرى تضمّن موافقة السلطة الفلسطينية على تصعيد البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة بـ«الزائفة».
كانت الأشهر الثلاثة، من أواخر يوليو/ تموز ولبداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، قد شهدت سبعة عشر اجتماعاً، لم يتوصل الطرفان المتحاوران خلالها إلى نتائج ملموسة. هذه الفترة الزمنية، كانت كفيلة، لمن يريد أن يستخلص دروسها، لتضع قيادة السلطة أمام ضرورة إجراء مراجعات حقيقية لمسيرة المفاوضات، بناء على ممارسات حكومة العدو، وعلى الموقف الرافض للقوى والهيئات والمؤسسات_ جزء منها مشارك في السلطة_ وانطلاقاً من التجربة المريرة لمسيرة التفاوض بمختلف تسمياتها ومواعيدها. وبعيداً عن متابعة أحجية الاستقالة إذا كانت حقيقية أم مصطنعة، فإن اللافت لنظر المتابعين للشأن التفاوضي، كان في تفسير موقف رئيس الوفد في كل تصريحاته وإطلالاته الإعلامية التي أعقبت تقديم الاستقالة، المصر على ضرورة «الإعفاء من المهمة»، وبذات الوقت الداعي للتمسك بالمفاوضات حتى نهاية فترة التسعة أشهر المتفق عليها مع الطرف الأميركي. التمسك بالأشهر التسعة كان قد أكده رئيس السلطة وهو يستعد لاستقبال الزائر الفرنسي هولاند! وما حصل ويحصل على الأرض الفلسطينية المحتلة من قتل وتدمير، واقتلاع للبشر والحجر والشجر، كفيل ليس بوقف المفاوضات فقط، بل بإطاحة «سلطة»، رسمت وظيفتها اتفاقية أوسلو الكارثية.
كانت الأسابيع الثلاثة التي مرت على تقديم طلب الإعفاء تحمل في كل يوم مواقف داخل هيئات السلطة القيادية تراوح بين أحد احتمالين: قبول الاستقالة أو رفضها، لكن الحزب الحاكم قرّر كما جاء في تصريح لأحد قادته نبيل شعث «أن اللجنة المركزية للحركة أوعزت إلى فريق التفاوض الفلسطيني المكون من صائب عريقات ومحمد اشتيّه بتسيير اعمال المفاوضات حتى تعيين فريق جديد، وذلك بعد اصرارهما على الاستقالة». قرار الإيعاز بتحديد مهمة عمل الوفد كفريق «تسيير أعمال» يأتي منسجماً مع حكومات تسيير الأعمال التي تعاقبت خلال مراحل متعددة على عمل حكومات السلطة. كلام شعث في هذا الموضوع جاء متأخراً بتوقيته، لأن الوزيرة في حكومة العدو ورئيسة وفدها المفاوض تسيبي ليفني كانت قد صرحت قبل يومين من إعلان قرار اللجنة المركزية، أنّه «من المتوقع أن تعقد هذا الأسبوع جولة جديدة من المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بمشاركة رئيس الوفد الفلسطيني صائب عريقات، كما أكد لي رئيس السلطة محمود عباس».
بعيداً عن الجدل القائم حول الاستقالة والعودة عنها، فإن ما كشفت عنه انعكاسات الخطوة، يؤكد أن الفشل لم يكن مرتبطاً بالأشخاص، بقدر ما يعني سقوطاً وهزيمة لنهج كامل برموزه ومؤسساته. فالاستمرار في العملية التفاوضية لن يحقق أية مكاسب للقضية الوطنية، كما أن التوقف عن حضور جلساتها لن يفتح الطريق للبدء بوضع خطة عمل وطنية شاملة لمواجهة الغزاة ومخططاتهم. إن إصرار كبير المفاوضين ورئيس السلطة على استكمال هذا النهج المضر بالقضية التحررية لشعبنا، يتطلب برامج عمل وقيادات وقوى تلتزم برنامجا كفاحيا على كافة الصعد، وفي المقدمة فيه «الكفاح المسلح» من خلال بنى سياسية ومجتمعية، قادرة على إدامة الاشتباك مع العدو، وعلى إدارة حياة المواطنين.
إن الرهان على تحقيق أية مكاسب وطنية من خلال المفاوضات وسياسة التنازلات، محكوم عليه بالفشل، ليس فقط لوجود حكومة «يمينية فاشية»، ولا بسبب الانتقال الكبير في كتلة تجمع المستعمرين الغزاة نحو مواقف أكثر عدوانية وعنصرية، بل أيضاً لأن الصراع بكل أشكاله مع هذا التجمع وقواه الاحتلالية والفاشية هو الذي يضع الشعب العربي الفلسطيني أمام إمكانية تحرير وطنه. إن الذهاب لآخر شوط التفاوض «التسعة أشهر» _ إذا لم يجر تمديدها _ سيوفر لحكومة العدو الوقت الكافي لتحقيق برنامج بناء المستعمرات وتوسيعها في الضفة ومنطقة القدس الكبرى وفي الأغوار، ويجعلها تعمل من أجل تنفيذ هدفها الأساس من المفاوضات، كما أوضح ذلك نتنياهو في حديثه لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية عشية زيارة الرئيس الفرنسي (إن هناك فرصة للتوصل الى اتفاق تاريخي من خلال المفاوضات إذا وافق الفلسطينيون على جعل دولتهم منزوعة السلاح وعلى ترتيبات تضمن أمن دولة إسرائيل، وخاصة على الاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل، ليمثل ذلك ضمانة لعدم طرح مطالب أخرى في المستقبل مثل إعادة اللاجئين).
إن حراكاً شعبياً واسعاً مدعوماً بقوى التغيير والتحرير، يجب أن يبدأ لمواجهة تلك المهزلة التي يقودها «البعض» من داخل بعض القوى السياسية. فقد أثبتت تجربة السنوات الماضية، أن جلسات الحوار، واتفاقيات التهدئة، والاستعانة بأطراف إقليمية ودولية من أجل توفير أجواء الثقة التي تقود للسلام، لن تجلب لنا وللمنطقة سوى السلام «الملغوم والمفخخ» الذي يعني في ظل الشروط القائمة، المزيد من التوسع والهيمنة للقوى الصهيو أميركية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2176586

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2176586 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40