الثلاثاء 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

من حياة الأسرى

الثلاثاء 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par أمجد عرار

فترتان قصيرتان ل“التنزّه” تسمح بهما إدارات سجون الاحتلال، بعد الفطور وبعد الغداء، بفضل نضالات وتضحيات الأسرى في صراعهم مع تلك الإدارات، في سبيل خلق ظروف اعتقالية إنسانية . فإدارات السجون امتداد للاحتلال وفلسفته وعقليته بكل ما تعنيه من سادية، ولا يمكن أن تقدّم أو تفعل أي شيء للأسرى من دون نضالات وتضحيات .
سجن بيت ليد الواقع في بلدة محتلة عام 1948 يسمّيه الصهاينة “كفار يونا” رغم أنف التاريخ واللغة العربية والعرب المنشغلين بأنفسهم وبكل شيء تافه وهامشي وما قبل مجتمع المواطنة . كان سجناً مخصصاً للسجناء الجنائيين . وبعد أن حوّله، كما كان خلال فترة سابقة، إلى سجن للأسرى في بدايات ،1986 جلب إليه معتقلين من السجون الأخرى ليجدوا أنفسهم يناضلون لتحويل أنفسهم من فرادى إلى جسم اعتقالي بهيكلية تنتهي بهيئة تمثّل الجميع أمام الإدارة .
سجن بيت ليد مجموعة من الزنازين الصغيرة يسمّيها المعتقلون “إكسات”، منها ما يتّسع لأسيرين ومنها ما يتسع لأربعة، ينامون على طابقين من الأسرّة الحديدية . النوافذ أبعادها لا تتجاوز نصف متر طولاً وعرضاً، مزودة بأربع طبقات من الشبك تنتهي بموازاة جدار الزنزانة الخارجي بصفيح سميك فيه بضعة ثقوب . كان الأسرى يستيقظون صباحاً ليجدوا الفراش غارقاً من عرقهم والرطوبة، فينشرونه خلال فترة “النزهة” الأولى “الفورة” في الساحة المكشوفة، ويبقونه حتى نهاية “الفورة” الثانية تحت الشمس حتى يجف .
القادمون من سجني عسقلان ونفحة افتقدوا رفاقاً أسرى من بعض البلدان العربية الشقيقة، أردنيين ومصريين ولبنانيين وسوريين وسودانيين وليبيين . بدأ قادة الأسرى التحضير مبكّراً لخطوات احتجاجية من أجل تحسين ظروف الاعتقال، وأهمها التهوية ونوعية الطعام وكميته والسماح لهم بتناوله في الساحة، بسبب ضيق مساحة الزنازين . كانت الإدارة ترفض بشدة تلبية المطالب، وكانت التحضيرات مستمرة على قدم وساق لبدء الخطوات الاحتجاجية، وفي العادة تشمل التحضيرات رسائل مسرّبة للأمم المتحدة والصليب الأحمر والنقابات والاتحادات وغيرها من المؤسسات الفلسطينية والدولية ووسائل الإعلام .
ذات يوم بعد الظهر، فوجئ الأسرى بالإدارة تعرض عليهم تناول وجبة الغداء في الساحة، وحين خرجوا فوجئوا أكثر بأن الطعام غير مسبوق من حيث جودته وكمّيته . قبل أن تتفاعل الدهشة، دخل على حين غرّة وفد من الصليب الأحمر إلى الساحة، تجوّل وتحدث مع بعضهم وممثلي الإدارة، ثم طلب الوفد أحداً من الأسرى يتحدّث الإنجليزية . حين سأل ذلك الأسير وفد الصليب الأحمر عن سر الزيارة المفاجئة، قال إن إذاعة عربية أذاعت خبراً يقول إن أسرى “بيت ليد” مضربون عن الطعام لليوم العاشر على التوالي .
مقابل تعمّد إدارة السجن تسجيل موقف أمام المنظمة الإنسانية الدولية، شرح ممثل الأسرى للوفد ظروف السجن التي لا تصلح لإقامة البشر، وتجول معهم على الزنازين وشاهدوا ما تسمى نوافذ . وأخبرهم بأن أهله يزورونه كل أسبوعين، في حين أنه لم ير شقيقه المعتقل في قسم مجاور منذ شهور .
غادر الوفد وتوجّه الأسرى إلى غرفهم، اعترض أحد السجانين أسيراً من الجولان محاولاً مصافحته . سأله الأسير عن المناسبة، فقال: أنا درزي وأنت كذلك، فأزاح ابن الجولان يده قائلاً: العلاقة الوحيدة بيننا أنني أسير وأنت سجّان، فاغرب عن وجهي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010