السبت 3 تموز (يوليو) 2010

«الحكومة الكهربائية» .. سلطة رام الله نموذجاً

السبت 3 تموز (يوليو) 2010 par علاء اسعد الصفطاوي

لا أستطيع، رغم كل محاولاتي المتواصلة، أن أكون محايداً في السجالات الدائرة منذ سنوات بين سلطتي «حماس» في غزة و«فياض» في رام الله، خاصة عندما يتعلق الأمر باستمرار استهداف المواطن الفلسطيني في وجوده ودوام استقراره فوق أرض فلسطين ..

تقدم لنا حكومة الدكتور فياض في رام الله وبشكل يومي نموذجاً لسلطة من طراز فريد، سلطة ربما لم أجد لها مثيلاً في تاريخ العلاقات السياسية الإنسانية المتعلقة بأركان مثلث الحكومة والأرض والشعب..! وبالذات عندما يدخل طرف رابع في منظومتها وهو الإحتلال ..

حيث تتقمص «حكومة الشعب» دور الإحتلال نفسه وهو الغائب الحاضر باستمرار في الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتستمر في الإستئساد ليس على جنود الإحتلال الذين يسرحون ويمرحون في الضفة بل على أبناء الضفة المنكوبين بهذه الحكومة العجيبة، وفي اضافة نوعية جديدة على أبناء قطاع غزة الذين أخرجوا الإحتلال من بين ظهرانيهم ببنادقهم في العام 2005 وليس بسيف المفاوضات المثلوم مع الإحتلال ..

واليوم تسفر سلطة رام الله عن وجهها أكثر وهي تتقمص دور «وكيل الإحتلال» باتقان منقطع النظير للضغط على أبناء قطاع غزة عبر استخدام ورقة الطاقة الكهربائية لإبتزازهم والتنغيص عليهم، وتحويل حياتهم الى جحيم ..!

لا أظن أنه يوجد أحد من شعب فلسطين لا يعلم أن فاتورة السولار الصناعي الذي يتم توريده الى قطاع غزة لتشغيل توربينات محطتها الكهربائية باتت تُدفع من قبل الإتحاد الأوروبي مباشرة الى حكومة فياض في رام الله، بعد أن كان الإتحاد الأوروبي قبل شهور يدفعها مباشرة الى حساب الشركة الخاصة الموردة لهذا السولار..

نفهم أن الإحتلال نفسه بدأ يضيق مؤخراً بلعبته المكشوفة للضغط على غزة من خلال تأخير وصول السولار اليها فقام بتحويل الملف برمته الى سلطة فياض وذلك إثر النداءات الكثيرة التي وجهها المجتمع الدولي للكيان الصهيوني لرفع الحصار عن القطاع، أو التخفيف منه، وعلى أثر ذلك باتت حكومة فياض هي الطرف الذي يُفترض به أن يدفع مباشره للشركة الموردة للسولار ما يتلقاه من الأموال من الاتحاد الأوروبي المخصصة لهذا الغرض..

وبالطبع بدلاً من أن تفعل حكومة فياض ذلك، تلكأت في الدفع للشركة عدة مرات، حتى بعد أن استجابت حكومة «حماس» في غزة لطلبها بضرورة تحويل ما تجبيه من أموال بيع الكهرباء الى حساب حكومة رام الله ..

حتى لحظة كتابة هذه السطور .. لم يصل السولار الى القطاع رغم قيام حكومة غزة بتحويل 3 مليون دولار الى حساب حكومة رام الله مؤخراً كان آخرها مليون دولار تم تحويلها بالأمس!!

تعرف حكومة فياض ..أن المتضرر الأساسي من هذه السياسة الإبتزازية هو أهل قطاع غزة أولاً، ولكن ذلك لا يهمها في شيىء، فهي تشاهد كيف يُعامَل أهل القطاع بسادية مفرطة على المعابر ولا تحرك بشيىء، بل كيف تُنتهك أراضي الضفة والقدس بالمستوطنات ويقتلع المواطن من أرضه فيها ولا تبخل علينا بتصريحاتها (المرعبة) ضد الإحتلال، بل هي ترى بعينيها كيف تدخل الدورية الإحتلالية قلب رام الله ونابلس أحياناً ولا تحرك شرطتها ساكناً، ولم تفعل ذلك، وهي نفسها تمارس أكثر من ذلك ضد أبناء شعبنا، والأسير «حمدي القصراوي» من الخليل هو النموذج الأوضح في ذلك، فعندما يفرج الإحتلال عنه بعد أن أمضى سبع سنوات أسيراً لديه، تقدم سلطة فياض بعد اسبوعين على اعتقاله في سجونها الوطنية جداً..!، ماذا يعني ذلك بالمعنى الثقافي والوطني والإنساني والعروبي ..؟؟!!

في الحقيقة أن الهم الأكبر لهذه الحكومة «الكهربائية» المتوترة دائماً والمرتبكة في أغلب الأحايين هو أن يكون المتضرر الأكبر في كل ذلك هو حكومة «حماس» في غزة ومعها كل القوى التي تمتنع حتى اليوم عن الرضوخ لشروط الإحتلال ورغباته الإستئصالية، وسلطة فياض لا تفعل هنا أكثر من ممارسة دور المقاول لهذا الإحتلال في أبشع صورة وذلك عبر مطاردة كل من يرفع ولو مسدساً في وجه الإحتلال في الضفة الصامدة، وعبر التأكد أكثر من تآكل قدرة «حماس» في القطاع على الإضطلاع بمسئولياتها على الوجه المقبول شعبياً، تمهيداً لإسقاطها ادارياً وخدماتياً بعد أن فشل الإحتلال في سحقها عسكرياً هي وحركة الجهاد في عدوانه الهمجي الأخير ..

إنني هنا أعطي لنفسي الحق بتوجيه سؤال كبير وقلق وحائر الى المناضلين في حركه «فتح» الذين أحترمهم وأقدرهم عالياً، والذين يحاول فياض ورجالاته اليوم أن يغطي بهم سوأة أعماله : الى أين تتجه سفينة فياض في رام الله؟..الى الاستقلال ..أم الى نكبة جديدة؟..الى الحرية ..أم الى معنقلات مستحدثة وبأيد فلسطينية؟..الى الدولة .. أم الى «الغيتو» بل الغيتوات الكبيرة..؟!

إذ لا يمكن الاستمرار في نهج جلد الشعب من أجل جلد «حماس» وفق سياسة فياض العباسية المستندة الى مضمون الآية الكريمة : وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً (النساء:89)

هذا لن يحدث في رأيي ..ليس لأن «حماس» مصونة عن الأخطاء والخطايا أو أننا نضمنها ونؤمّنها من الوقوع في فتن السلطة ومفاسدها ..لا، بل لأن غزة أضحت عصيّة عن التراجع، غزة اليوم رغم جرحها النازف غدت مدججة بكل معاني اللغة المقاومة ورموز التمرد والإمتناع، غزة لم تعد مطية لمحتل ولا منسق مع الإحتلال، ولم تعد تقبل أن يعتقل حلمها التحرري أحد، ولا أن يحاصرها أحد، وهي لن تسمح بأن يدوم حاكم فوق أرضها إلا إذا زاوج بين البحر والمخيم، بين المدينة وشاطئها، بين الرصاصة والمسدس، بين الندى وزهور الصباح ..!

أنصح «فتح» التي لا زال فيها الخير الكثير، أن تخرج من عباءة فياض، هذا الرجل القادم من أروقة البنك الدولي المفضوح، هذا الرجل الذي لم يكن أبداً عضواً فيها ولا جزءاً من تاريخها النظالي الطويل، أنصحها أن لا تدعم نموذجاً محسناً لروابط قرى جديدة أتقن فياض مهمه تسويقه الى بعض الناس على أنه : سنغافورة جديدة قادمة في الضفة بثوب دولة مستقلة!

إذاً لا يوجد أمل قط في سنغافورة تحت الإحتلال ..أبداً، مهما اشتد نشاط مناضلي الحقائب الدولارية، وتكثفت صولاتهم وجولاتهم .. !

ولا أفق لوطن يفصّل بمقاسات الإحتلال ومشيئته، ولو قُدر لذلك أن يتم لكان قد حدث في ظل رجل يليق أكثر بفلسطين وتاريخها وهو الرئيس الراحل أبي عمار..

الضفة لا يليق بها اليوم : إلاّ عاصفة «فتح» .. تهب على ضفتها الغالية لتمسح عن وجهها درن الأيام المتسخة، ويتعانق فيها الرصاص المقاوم لأسود كتائب شهداء الأقصى جنباً الى جنب مع رفاق السلاح في سرايا القدس الباسلة الحبيبة وكتائب القسام المظفرة ..انتظاراً لسنوات الحسم ..

هذا هو الطريق اليوم وغداً .. ولا طريق غيره.

غزة : 1 / 07 / 2010



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165358

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165358 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010