الاثنين 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

إيران تفرض وجودها وتاريخها

الاثنين 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par خميس بن حبيب التوبي

يبدو أن كيان الاحتلال الصهيوني لا يريد الانعتاق من حالة الوهم التي تتملكه بأنه قادر على دفع عجلة الأحداث والتاريخ لصالحه إلى ما لا نهاية، رافضًا الاعتراف بأن العالم يشهد متغيرات وتحركات في الموازين الدولية بصعود قوى ونكوص أخرى، وأن هذه المتغيرات امتدت لتطول الأمزجة أيضًا جراء استشعار أصحابها حالة اليأس والإحباط، وتجرعهم مرارة الانكسار والاستسلام أمام إرادات وعزائم صاعدة ترفض المساومة على قيمها ومبادئها، والوقوف على قارعة الطريق تسولًا وانتظارًا لفتات يتمنن به المتمنون ووسط مظاهر الإذلال، وترفض المساومة في ما يخص الشأن الداخلي والأمن القومي.
وبغض النظر عن الجعجعة الإسرائيلية غير المبررة حول المفاوضات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة مع طهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن الاتفاقية التي توصلت إليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومجموعة (5+1)، تؤكد أن العالم بدأ ينفض عن كاهله غبار التبعية والضعف والاستسلام للقطب الأوحد، ويتجه نحو التغيير الإيجابي لينقل دوله وشعوبها من حالة الانغلاق والكبت والحرمان والظلم والاستعباد والاحتلال ومصادرة الحقوق إلى فضاءات الحرية والعدالة والمساواة، والعلاقة القائمة على الندية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وأن منطق الأشياء يفرض تلك القواسم ويرفض لغة القوة العسكرية التي ثبت أنها ليست كل شيء، بل إنها أصبحت عبئًا ثقيلًا تسبب في كسر واضح في العمود الفقري (الاقتصاد أعني)، كما هو حال الولايات المتحدة التي لا تزال تدفع ثمنًا باهظًا جراء تباهيها وخيلائها وغرورها بقوتها التي اعتقدت أنها لا ترام.
لذلك سواء كان كيان الاحتلال الصهيوني صادقًا في انتقاداته وتصريحاته النارية أو متماهيًا أساسًا مع أسس ومبادئ التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والتي تمثل شريان الحياة له، فإن الاتفاقية التي أشاد بها الرئيس الأميركي باراك أوباما في أول تعليق له عليها من شأنها أن تحقق أهدافًا عدة منها:
أولًا: ضمان حق الجمهورية الإسلامية في امتلاكها التكنولوجيا النووية والاستخدام السلمي لها، حيث بمقتضى الاتفاقية ستخفض طهران نسبة التخصيب من عشرين إلى خمسة بالمائة، مع التزامها بعدم استخدام الجيل الجديد من أجهزة الطرد المركزي، وعدم المضي قدمًا في مفاعل “أراك” وبرنامج البلوتونيوم.
ثانيًا: استفادة طهران من الناحية الاقتصادية، فحسب البيت الأبيض أنه “وفقًا للاتفاقية التي ستكون نافذة المفعول على مدى ستة أشهر ستخفف العقوبات المفروضة على إيران بما قيمته 7 مليارات دولار، ولن تفرض عقوبات جديدة”.
ثالثًا: الاتفاقية إن صمدت وأصبحت أرضية صلبة لاتفاق شامل؛ أي إخضاع المنشآت النووية الإيرانية تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والالتزام بالسلمية وبنسبة التخصيب المتفق عليها، ستكون إشارة مهمة على نجاح السياسة الإيرانية في انتزاع الاعتراف بحقها والتسليم به، وبالتالي كسر العزلة التي حاولت القوى الدولية فرضها عليها لعقود.
رابعًا: من المستبعد أن تفاوض طهران على ملفها النووي بعيدًا عن ملف الأزمة السورية وملف دعمها للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، أو على الأقل تقبل باتفاق لا يضمن انفراجًا حقيقيًّا لذينك الملفين، وهنا تعود بنا الذاكرة إلى حديث حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله في ذكرى عاشوراء حين قال بما معناه “سجلوا عليَّ، بل الآن أنا على الهواء مباشرة والقنوات الفضائية تنقل كلامي، بأن أي اتفاق مع إيران حول البرنامج النووي الإيراني سيعطي محور المقاومة قوةً ونفوذًا أكبر” وذلك في معرض رده على من يقول بأن إيران من الممكن أن تتخلى عن حلفائها وعن دعمها لمحور المقاومة إذا ما توصلت إلى اتفاق مع الغرب. كما أن هذا الاتفاق من الممكن أن يشكل رافعة للمساعي الحثيثة نحو جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وضرورة أن تخضع المنشآت النووية لكيان الاحتلال الصهيوني. على الرغم من المحاولات المستميتة لإفشال المفاوضات الغربية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من قبل الرافضين لها والمؤيدين لعزل إيران وتشديد العقوبات عليها والمحرضين على شن ضربات عسكرية ضد منشآتها، فإن الدهاء الفارسي استطاع أن يفرض واقعيته ويؤكد الوجود والتاريخ الإيرانيين كقوة صاعدة وجغرافيا لا يستهان بهما، ويجبر الخصوم على الاعتراف بهما حتى لو فشلت الاتفاقية، والسؤال الذي يطل برأسه هنا: ألا يعني مجرد تفاوض الغرب مع إيران فضلًا عن تصميمه على توقيع اتفاق معها، أن التهويل الغربي من الخطر الإيراني كان ابتزازًا للأموال الخليجية لتكديس الأسلحة وتدوير عجلة الاقتصاد الغربي؟ وماذا لو اعترف كيان الاحتلال الصهيوني بحقوق الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتقاسم معها النفوذ؟ وكيف سيكون وضع المصرين على عزل إيران وتوجيه ضربات عسكرية ضدها؟
يمكن القول إن طهران نجحت في تقديم نفسها كقوة مؤثرة في المنطقة، ونالت شهادة الاستحقاق بذلك، وهو نجاح لم يأتِ من فراغ، وإنما كرست مواردها المادية والبشرية في التقدم العلمي والصناعي لكي تحافظ على قرارها المستقل وسيادتها، في حين ارتهن آخرون في المنطقة للأجنبي وسلموه الخيط والمخيط.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165842

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165842 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010