الأحد 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

هدف “إسرائيل” تصفية “حق العودة”

الأحد 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par علي جرادات

صار يقيناً أن تصفية جوهر القضية الفلسطينية، حق عودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية، هو جوهر المخطط “الإسرائيلي” بشقيه السياسي، (إدارة المفاوضات لأجل المفاوضات)، والميداني، (تصعيد وتيرة مصادرة الأرض واستيطانها وتهويدها) . يؤكد ذلك إصرار حكومات “إسرائيلية” سابقة، وبصورة أشد “حكومة المستوطنين” الحالية، على مطلب الاعتراف بكيانها غير محدد الحدود “دولة للشعب اليهودي” . بل زاد نتنياهو مؤخراً الأمر وضوحاً عندما دعا الرئيس الفلسطيني إلى إلقاء كلمة أمام أعضاء “الكنيست” للاطمئنان على إقرار الفلسطينيين ب“الروابط التاريخية بين الشعب اليهودي وأرضه منذ أربعة آلاف سنة” . أما رمز التطرف الصهيوني، ليبرمان، العائد لتوه إلى وزارة الخارجية، فقد أعلن مجدداً أن “السلام ممكن بتوفير الأمن ل”الإسرائيليين“مقابل توفير الاقتصاد للفلسطينيين” . ماذا يعني هذا الكلام؟
إن حماية، والدفاع عن جوهر القضية الفلسطينية لا يلبيه الرد السياسي التكتيكي فقط، (داخل غرف التفاوض أو خارجها)، بل العمل على إعادة بناء المشروع الوطني بعد أن فككت عناصره عشرون عاماً من المفاوضات العبثية، أي إعادة تظهير الحقوق التاريخية والغاية الجامعة ممثلة بدولة فلسطين الديمقراطية الحل النهائي الوحيد للصراع والتناقض مع المشروع الصهيوني، إنما من دون الوقوع في المفاضلة أو المقابلة بين هدف النضال لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة والعودة، (البرنامج المرحلي)، وبين هدف النضال من أجل الحل النهائي والشامل، ومن دون دحر حق العودة المستهدف بوصفه “قنطرة الربط” بين هذين الهدفين: الحقوق الوطنية الراهنة والحقوق التاريخية للشعب العربي الفلسطيني في الوطن والشتات، ومن دون نسيان أنه حتى تحقيق دولة فلسطينية مستقلة وسيدة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 عبر المفاوضات الجارية في ظل موازين القوى القائمة ومشروع التسوية الأمريكي المطروح صار ضرباً من الخيال، بل كان غير ممكن أصلاً خارج المقاومة الرافعة الأساسية لتحقيقه .
هنا يتضح أن تراجعات الحالة الفلسطينية والتباساتها ومفارقاتها التي تلقي بظلالها السلبية والخطرة على أبعاد إدارة الصراع مع العدو الصهيوني ومقتضياته، وطنياً وقومياً ودولياً، هي، أيضاً، وليس الظروف المجافية فقط، ما يحبط إعادة تأصيل إدارة الصراع كما هو في الواقع . والمفارقة الأساسية والمفتاحية هنا هي: بينما كانت الثورة الفلسطينية المعاصرة، عموماً، والانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى عام ،1987 خصوصاً، ملهماً أساسياً للشباب العربي في إطلاق انتفاضات شعبية أبهرت العالم، نجد أن الحركة الوطنية الفلسطينية تزرع الإحباط في أوساط الشباب الفلسطيني والجماهير الفلسطينية بفعل انقساماتها واحتراب طرفيها الأساسيين على “سلطة” نشأت أصلاً محدودة ومكبلة بقيود والتزامات سياسية وأمنية واقتصادية ثقيلة، وأنجبت فساداً سياسياً ومالياً وإدارياً وثقافياً، وعمقت المراهنة على خيارات لم تتحقق فيما تتقلص التربة تحت أقدام الفلسطينيين جراء سعار المصادرة والاستيطان والتهويد، عدا ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات من تنكيل واستباحة غير مسبوقين . وتلك نتيجة طبيعية لسبب أن النخب القيادية الفلسطينية لم ترتقِ إلى مستوى استعداد الشعب الفلسطيني وهمومه وطموحاته والمخاطر المحدقة بجوهر قضيته وحقوقه، ولم تستجب لمطالبه بإنهاء الانقسام وبلورة الاتفاق أو التوافق على استراتيجية وطنية شاملة تعيد قطار النضال الوطني إلى سكته الحقيقية بعد أن حاد عنها طرفا الانقسام: الأول، قيادة “فتح”، بمواصلة المراهنة على مفاوضات عبثية لم تفضِ، رغم عشرين منها، إلا إلى المزيد من الضغوط الأمريكية ووعودها . والثاني، قيادة “حماس”، بمواصلة التمسك باختياراتها الأيديولوجية “الإخوانية” الفاشلة والخطرة على القضية الوطنية والديمقراطية الفلسطينية .
في التشخيص أعلاه لواقع الحركة الوطنية الفلسطينية، يكمن سر مفارقة ألا تستفيد القضية الفلسطينية من التحولات الكبرى على الصعيد الدولي . فاحتراب طرفي الانقسام الفلسطيني على التمثيل، وعلى “سلطة” يتحكم فيها الاحتلال هو ما يحول دون توظيف هذه التحولات لمصلحة القضية الوطنية، ذلك رغم أن وجهتها، (التحولات)، تعطي فرصة واقعية لذلك، فعالم القطب الواحد ينسحب من الواجهة لجهة حالة جديدة يصبح فيها حليف “إسرائيل” الاستراتيجي الثابت، الولايات المتحدة، قوة عظمى بين قوى أخرى تنافسها بقوة في ظل ما تعانيه من أزمة اقتصادية بنيوية متفاقمة، ومن فشل متتابع لحروبها ولسياساتها الدولية على وقع حركات الشعوب التي انفتح أمامها، بما فيها الشعب الفلسطيني، الباب واسعاً لتحديد خياراتها السياسية والاجتماعية بنفسها .
وفي التشخيص أعلاه يكمن أيضاً سر مفارقة ألا تستفيد القضية الفلسطينية من تحولات الحراك الشعبي العربي الذي يشكل في جوهره العام حالة استفاقة من سبات طويل، تعزز الأمل بالتغيير الوطني والديمقراطي الاجتماعي والسياسي، رغم كل محاولات اجهاضه وحرف مساره عن أهدافه الحقيقية . فهذه المحاولات لن تقوى في التحليل الأخير على تفريغ أجندته بشكل تام ودائم من الهموم والقضايا القومية، وأولاها القضية الفلسطينية . فهذه القضايا حالة موضوعية تفرض نفسها مع تطور الأحداث والتفاعلات الداخلية، ما يستدعي أن يكف طرفا الانقسام الفلسطيني عن توظيف هذا الحراك لمصالح فئوية خاصة وضيقة، وعن الظن أن ما يجري من صيرورة تغيير تاريخية في الوطن العربي هو ظرف مجاف دائم للقضية الوطنية الفلسطينية، لأنهما بهذا التوظيف البائس وذاك الظن الخاطئ إنما يلمحان تناقضات الحراك الشعبي العربي لمحاً ولا يتعمقان في مركباتها وعلاقاتها التي تبين أن فلسطين الحاضرة في وجدان الجماهير العربية ستصبح عاجلاً أو آجلاً مهماز حراك جديد وحقيقي، خاصة مع تدخلات الكيان الصهيوني وحلفائه في التحولات العربية التي أظهرت الدور الاستثنائي لقطاع الشباب كقوة محركة للتغيير من خارج الأطر الحزبية نسبياً . وهو ما يملي على قيادة طرفا الانقسام، “فتح” و“حماس”، إدراك عمق التحولات الدولية والقومية وما فتحته من فرص واقعية لإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة من خلال إنهاء الانقسام، وصياغة برنامج وطني موحد يربط بين المرحلي والنهائي من الأهداف والحقوق الفلسطينية، والتركيز عل التناقض - الصراع - الرئيسي والمفتوح مع عدو ذي طبيعة استعمارية استيطانية إجلائية . وكل ذلك في إطار إعادة توتير قوس الشعب الفلسطيني وتعزيز قدرته على المقاومة بالمعنى الشامل للكلمة في محطة تحولات عربية وإقليمية ودولية تاريخية وحاسمة يعمل قادة “إسرائيل” في السر والعلن على استغلالها لتصفية القضية الفلسطينية، وجوهرها حق العودة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2177392

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2177392 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40