السبت 3 تموز (يوليو) 2010

المصالحة الفلسطينية إلى طريق مسدود

السبت 3 تموز (يوليو) 2010 par طلال عوكل

يبدو أن على الفلسطينيين، وعلى من يتفاعل سلباً أو إيجاباً مع قضيتهم، أن يتعايشوا طويلاً مع واقع الحال الذي يشكل المشهد الفلسطيني منذ ثلاث سنوات، حين بادرت حركة حماس إلى الاستيلاء بالقوة على السلطة ومؤسساتها في قطاع غزة، بعد أن استندت إلى صناديق الاقتراع التي أعطتها خمسة وسبعين مقعداً في المجلس التشريعي الذي يتكون من مئة واثنين وثلاثين عضواً.

خلال السنوات الثلاث من الانقسام الدامي والخطير، لم تتوقف المبادرات الوطنية الفلسطينية والعربية عن العمل من أجل رأب الصدع وتقريب وجهات النظر لإتمام مصالحة فلسطينية تفضي إلى استعادة الفلسطينيين وحدتهم، لكن كل تلك المبادرات انتهت دون أن تترك أي تغيير في واقع الحال.

الدور المصري الذي تابع رعاية الحوار الثنائي والجماعي الفلسطيني توقف قبل عشرة أشهر حين انتهى إلى وثيقة إجمالية، وقعت عليها حركة فتح رغم ما لديها من ملاحظات، ولم توقع عليها حركة حماس التي سجلت أن الوثيقة لم تعكس ما تم الاتفاق عليه في الحوارات الثنائية مع فتح، وبالتالي احتفظت لنفسها بحق عدم التوقيع على الوثيقة قبل أن يتم أخذ ملاحظاتها بعين الاعتبار.

في إطار الجدل البيزنطي، وتبادل الاتهامات والذرائع، أصرت القاهرة على رفض أية تعديلات أو ملاحظات على الوثيقة، ذلك أن فتحها أمام التعديلات سيؤدي إلى فتحها أمام ملاحظات وتعديلات حركة فتح والحركات الفلسطينية الأخرى، وكلها في الواقع لديها من التعديلات والملاحظات ما يؤدي إلى نسف الوثيقة، وإعادة الحوار إلى مربعه الأول.

ومن باب توفير مخارج مناسبة كان الرئيس محمود عباس قد اقترح تشكيل لجنة مصالحة برئاسة رجل الأعمال الفلسطيني المعروف منيب المصري، وعضوية عدد من أعضاء القيادة الفلسطينية، كلفها بالذهاب إلى غزة، وحين لم توافق على استقبالها حركة حماس إن كانت ستطالبها بالتوقيع على الوثيقة المصرية، قررت اللجنة الذهاب إلى دمشق لمقابلة قيادة حماس، لكن هذا المسعى توقف هو الآخر، وأعلن المصري عن حل اللجنة.

كانت لجنة المصالحة تسعى وراء التالي؛ توقع حركة حماس على الوثيقة المصرية، وفي الحال يبدأ حوار حول كيفية أخذ ملاحظات حماس بعين الاعتبار على أن تكون هناك ورقة ملحقة بالمصرية، تتضمن ما يتم الاتفاق عليه، غير أن الأمور لم تأخذ بهذه الوجهة، بل لقد تبددت الأجواء الإيجابية التي ولدتها زيارة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى قطاع غزة.

وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط صرح بأن مصر لن توافق على إدخال أية تعديلات على الوثيقة، مما دعا القيادي في حركة حماس الدكتور محمود الزهار لأن يرد عليه بالقول إن ملف المصالحة ليس بيد الخارجية المصرية، مطالباً بدور عربي. أما زميله القيادي خليل الحية فقد حسم الأمر حين أعلن أن حماس لن توقع على الوثيقة المصرية قبل أخذ ملاحظاتها العشرين بعين الاعتبار.

الرد المصري جاء على لسان الناطق باسم الخارجية السفير حسام زكي، وهو رد وإن كان ينطوي على بعد شخصي إزاء ما صدر عن الزهار، إلا أنه أيضاً تضمن تحذيراً لحركة حماس من مواصلة استفزاز مصر.

إذا استثنينا عامل الزمن الذي استغرقته الحوارات والوساطات من أجل المصالحة فإن المقارنة بين شروط بدء الحوار ونهاياته غير السعيدة، تشير إلى أن حركة فتح قدمت تنازلات كبيرة ومهمة من أجل المصالحة، إذ كانت تطالب حماس مسبقاً وقبل بدء الحوار بالتراجع عن انقلابها، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبله، وتطالب حماس بالاعتذار للشعب الفلسطيني، وتطالب أيضاً بحوار شامل وليس ثنائياً فضلاً عن شروط أخرى. بدأ الحوار وانتهى إلى ما انتهى إليه، بدون أن يتحقق حتى شرط واحد من هذه الشروط، بل إن فتح انزلقت إلى حوار ثنائي كما أرادت حماس، ووافقت على الوثيقة المصرية رغم أنها لا تلبي الحد الأدنى الذي كانت تطالب حركة فتح بتحقيقه. لابد أن لحركة حماس رؤيتها للحوار والمصالحة، وربما لديها ما ترويه ضد الاتهامات الموجهة إليها، لكن المحصلة هي فشل في كل المحاولات والمبادرات التي اجتهدت لإنهاء الانقسام الفلسطيني مما يعني أن هذا الملف ينطوي على أبعاد وتدخلات عميقة لم ترتق الحوارات إلى مستوى معالجتها أو القفز عنها. في الواقع، لا فائدة من البحث في الأسباب انطلاقاً من آليات الحوار والوساطة، وكيفية التعامل مع الوثيقة المصرية أو غير ذلك، فأسباب التعطيل تذهب إلى ما هو أبعد بكثير، وتغوص في عمق البرامج والأهداف المتضاربة إلى الحد الذي يسمح بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة في ظل الظروف والمعطيات المرئية.

الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وضع إصبعه على الجرح حين صرح وهو على معبر رفح متجهاً إلى غزة، أن المسألة تتصل بغياب الإرادة، وأن التاريخ لن يعير اهتماماً للملاحظات والتفاصيل الجانبية مهما بلغت من الأهمية.

بعض القياديين من الفصائل الذين تشاركوا في جلسات الحوار الشامل في القاهرة، استخلص العقدة، وهي أن الطرفين حماس وفتح ذهبا إلى الحوار بعقلية تقول:«هذا ما لدي فماذا تضيفون إليه»، أي أن كل طرف متشبث بما يعتقده حقوقاً مكتسبة، وينظر إلى الحوار كوسيلة لإضافة مكاسب أخرى من الطرف الآخر.

في الواقع فإن الحوارات التي جرت في القاهرة وفي غير القاهرة، الثنائية، والجماعية لم تجب عن أسئلة أي نظام سياسي يرديه الفلسطينيون، أي خيار سياسي، وأية مرجعيات ينبغي تشكيلها بحيث تواكب تطور موازين القوى في الساحة الفلسطينية.

حركة حماس ترفض خيار المفاوضات وتصر على خيار المقاومة، ولا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، ولا تراها مرجعية القرار الفلسطيني، وما لم تكن لها اليد الطولى في المؤسسات الفلسطينية والقرار الفلسطيني بما يوازي النسبة التي حققتها في الانتخابات التشريعية في يناير 2006، فإنها سترفض أي مصالحة.

وفي الأساس فإن حركة حماس بما أنها جزء من حركة الإخوان المسلمين ذات البعد الدولي، لا يمكنها أن تضحي بالمكاسب التي حققتها، والفرصة المتاحة لها لإقامة نموذج الحكم الإسلامي ولو على رقعة جغرافية صغيرة بحجم قطاع غزة ولكنها كبيرة بأبعادها ومعانيها، وآثارها.

إن النظام الذي تقيمه حركة حماس في قطاع غزة، يشكل جوهره تاج حركة الإخوان المسلمين، وعلى نجاحه واستمراره ينعقد الرهان لمراكمة المزيد من النجاحات في العالم العربي والإسلامي.

أما حركة فتح، فإنها أيضاً لا يمكنها المضي بمشروعها وخيارها في ظل الانقسام الجاري، وهي لن توقع صك نهايتها كحركة تاريخية فجرت الكفاح المسلح وقادت الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير لأكثر من أربعين عاماً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165504

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165504 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010