الخميس 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

مفاوضات تعبئة الفراغ

الخميس 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par علي بدوان

سؤال يطرح نفسه على طاولة النقاش والحوار بين عموم القوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية، وفحوى السؤال يتمحور حول العملية السياسية التفاوضية مع الطرف “الإسرائيلي” وما تحقق منها حتى الآن بعد نحو أربعة أشهر من العودة لطاولة المفاوضات..؟
وللإجابة على السؤال إياه، نقول إن ما تحقق من إنجاز لا يتعدى سوى المشاغلة السياسية وتعبئة الفراغ بالحديث عن وجود عملية سياسية تفاوضية متواصلة بالمنطقة، وهو ما يخفف من حدة إمكانية حصار السياسات الصهيونية أمام العالم والمجتمع الدولي. أما الإنجاز الآخر فقد تمثل بمقايضة جديدة اصطنعتها حكومة نتنياهو، التي اطلقت دفعة أولى من أسرى ما قبل أوسلو الـ (104) بدفعة أولى كان عددها (84) أسيراً، وبدفعة ثانية بلغت (32) أسيراً قضى كل منهم أكثر من (20) عاماً في سجون الاحتلال، وكل ذلك مقابل الصمت الأميركي عن عروض استيطانية جديدة في منطق القدس تقفز حتى عن التفاهمات الأميركية “الإسرائيلية” بهذا الصدد. فنتنياهو أعلن مؤخراً عن بناء (1700) وحدة استيطانية جديدة، مع (1500) وحدة في مستوطنة (حي شلومو) المقام على أراضي القدس الشرقية، و(200) وحدة إضافية في مستعمرات مقامة في مناطق من الضفة الغربية. فالدولة الصهيونية تواصل سياساتها الممنهجة فبينما تدعي أنها تقدم تسهيلات للتقدم في المفاوضات، ومن بينها الإفراج عن أسرى ما قبل اتفاق أوسلو، تعلن عن بناء وحدات استيطانية جديدة بالتزامن مع كل مرحلة من مراحل إطلاق سراح هؤلاء، ومن خلال عملية حسابية بسيطة، يظهر أن “إسرائيل” تريد مقابل كل أسير تفرج عنه بناء (65) وحدة استيطانية جديدة.
وزادت حكومة نتنياهو على ذلك وفي إطار محاولات إرضاء اليمين المتشدد، بدفع اللجنة الوزارية لشؤون التشريع إلى تقييد حرية عمل الحكومة في كل ما يتعلق بالقدس، حيث قررت اللجنة تأييد قانون تحصين القدس، والذي يشترط على الحكومة ألا تتفاوض مع أحد بشأن تقسيم القدس أو تسليم أجزاء منها قبل أن تنال غالبية خاصة من الكنيست تحوي (80) عضو كنيست. وبديهي أن هذا القانون إذا أقر سيمنع الحكومة فعلياً من إجراء أي مفاوضات بشأن القدس مع الفلسطينيين. ويقضي هذا القانون، بشكل جازم، على أي فرصة للتسوية أو للتفاوض بشأنها خصوصاً لأن القدس واحدة من ثلاث قضايا الحل النهائي الجوهرية وهي القدس والحدود واللاجئون.
وعليه، إن هذا الوضع يفرض على الفلسطينيين وقواهم السياسية مجتمعة لوقف المشاركة في العملية التفاوضية المختلة والانسحاب منها، والسير باتجاه إحداث تغيير جوهري يتطلب تغييراً في موازين القوى، كما يتطلب استعدادات أكثر جدية على كل المستويات، وإن كان طريق هذا التغيير معقداً ومحاطاً بتأثيرات وضع اقليمي ودولي متحرك، ويصطدم بتعقيدات واقع الانقسام الفلسطيني الداخلي المدمر، مع واقع ضغوط اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة يعيشها الشعب الفلسطيني في عموم الأرض المحتلة عام 1967.
إن الطريق إياه، هو الطريق المضمون لإنجاز أهداف التحرر الوطني الفلسطيني، إن هذا الطريق الشاق والمكلف هو طريق إجباري في ظل تنامي التطرف داخل الكيان الصهيوني، وفي ظل إصرار “إسرائيل” على استكمال تنفيذ مشروعها التوسعي التهويدي الكولونيالي الإجلائي.
إن ضَيَاع الحالة الفلسطينية والعملية السياسية في متاهات ما يجري في المنطقة مع الاختلاطات الواقعة في المسرح السياسي يُشكّلُ الحالة الأمثل بالنسبة للدولة العبرية الصهيونية من أجل تضييع مسارات العملية السياسية مع الفلسطينيين والمطمطة بها إلى أقصى مدى ممكن، وتسويف كل العملية التفاوضية في وقت ما زال فيه إخطبوط الاستيطان يأكل الأخضر قبل اليابس في مناطق القدس ومحيطها، ومناطق كتل الاستيطان الكبرى في المستعمرات المطلة على مدن الضفة الغربية.
ومع هذا، إن تهتك العملية السياسية التفاوضية، وإن كُلِ تلك المعطيات لا يمكن لها أن تجعل من الحالة الفلسطينية مستكينة وساكنة وهامدة على مستوياتها الشعبية بين الناس في الداخل، استكانة الضعيف الذي لاحول ولا قوة له، فالأمور قد تتطور باتجاه انفجار جديد في الشارع الفلسطيني بوجه الاحتلال والاستيطان.
فالمؤشرات الراهنة والعوامل المحيطة لا تترك أمام الفلسطينيين خياراً آخر، فالوضع الفلسطيني في الداخل يزداد احتقاناً فوق احتقان كل يوم وكل ساعة، ويعتمل على مرجل من الغليان المتواصل على ضوء الانسداد الكامل والعملي لأفق عملية التسوية في المنطقة، وعلى ضوء تصاعد عنف الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وسيادة منطق الصلف والغطرسة عند قادة “إسرائيل” وعموم التشكيلات الحزبية والسياسية في الدولة العبرية الصهيونية. وفي وقت يشهد فيه المسجد الأقصى اقتحامات شبه يوميّة، وهناك دعوات يهودية لمسيرات مليونية فيه، بالتزامن مع ذكرى اقتحامه من قبل الجنرال آرييل شارون والتي انقدحت وراءها وعلى الفور شرارات الانتفاضة الكبرى الثانية. كما أن وتيرة الحراك الجماهيري العربي الفلسطيني في عمق فلسطين المحتلة عام 1948 آخذة بالتصاعد.
ولكن، وحتى لا يتهمنا أحدٌ من المتسرعين بالتطاير في التنظير، لا بد من القول بأن حالة الانقسام الفلسطيني ما زالت تترك آثارها السلبية على عموم الحالة الفلسطينية، وعلى الاستعداد الفلسطيني لما هو قادم، وتُحدُّ من إمكانية إعادة تجميع القدرات الوطنية الفلسطينية في مسار واحد هو مسار العودة للفعل الانتفاضي بكل أشكاله الممكنة، ومسار مغادرة مربع الرهان المبالغ به على مسار عملية سياسية مأزومة وغارقة في الأوحال. كما أن هناك خلافاً وتبايناً مستديماً ما زال موجوداً في الساحة الفلسطينية بشأن تقدير الموقف والاشتقاقات الوطنية البرنامجية المطلوبة، بين أطراف رئيسية لا ترى جدوى من قيام انتفاضة فلسطينية كبرى ثالثة، وبين اتجاهات ترى بضرورة حصر العمل الوطني الكفاحي باتجاه العمل السلمي الديمقراطي ذي الطابع الشعبي العريض دون غيره. وبين اتجاه يرى بضرورة توسيع قوس الخيارات الفلسطينية بشكل أوسع في انتفاضة متعددة الأنماط والأشكال الكفاحية بما فيها العمل الكفاحي المسلح ضد قوات الاحتلال، وتتفق في هذه الرؤية كلاً من حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والأخيرة تعتبر الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية. وكما قال أحدهم قبل أيام "لكل مُنادٍ بالانتفاضة مأرب، وبعض المآرب ناصعة، بريئة، غاضبة، نبيلة، وبعضها (زكزكة) سياسية، وفي هذا تسخيف لما هو نبيل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2177797

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2177797 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40