الأحد 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

خروج إلى أفق الحقيقة

الأحد 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par هاشم عبد العزيز

ين غضب فلسطيني حاد وارتباك وتشنج “إسرائيلي”، كانت ردود الفعل للطرفين في ضوء تقرير خبراء سويسريين أجروا فحوصاً على جثمان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومن خلاله “عثروا على نسب من البولونيوم تصل إلى نسبة عشرين مرة أعلى مما اعتادوا قياسه” و“هذا يشير إلى تورط طرف آخر”، حسب إعلان البروفيسور بوشو، مدير معهد الفيزياء الإشعاعية خلال مؤتمر صحفي عقده بعد إعلان النتيجة في لوزان الأسبوع الماضي والذي قال إنه “لا يمكن القول إن البولونيوم كان سبب وفاة عرفات لكن لا يمكن استبعاد ذلك”، موضحاً “أن نتائجنا تدعم منطقياً فرضية التسمم” .
غضب الفلسطينيين لم يكن من التقرير إنما في تأكدهم من أن عرفات لم يمت طبيعياً بل بفعل جريمة، وهم في الغالب منذ رحيل عرفات على تلك النهاية المأساوية كانوا اتهموا “إسرائيل” ارتكاب هذه الجريمة الغادرة التي نالت من عرفات المناضل والقائد الفلسطيني الذي اجترح مآثر خالدة في مسيرة انبعاث القضية الفلسطينية، وتصدر قيادة العمل الوطني الفلسطيني بحنكة واقتدار، وكان كفواً لمواقعه القيادية في رئاسة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وبينهما حركة فتح التي ظلت خلال وجوده أكبر فصائل المقاومة الفلسطينية .
اتهام “إسرائيل” باغتيال عرفات لم يكن مبنياً على المستفيد من غياب وجوده ودوره وحسب، بل إلى ما يمكن القول إنها “قرائن وحقائق” ترتبط باستهداف “إسرائيل” لعرفات، ومن ذلك ما أشارت إليه صحيفة “تلغراف” البريطانية إلى “أن الكثيرين يعتقدون أن هذه الدولة التي تمتلك سجلاً حافلاً لاغتيال خصومها عبر العالم قد دست السم لعرفات في العام 2004”، والأكثر دقة في هذا الشأن أن أحد قادة الكيان الصهيوني يقدم صورة لشخصه ولمن هم غيره في استهداف “إسرائيل” لعرفات ومحو وجوده .
لم يكن يخفي أرييل شارون رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق وهو أحد القادة العسكريين الأكثر دموية ووحشية، ومنها مذابح صبرا وشاتيلا في العاصمة اللبنانية، رغبته في “محو عرفات من المجتمع” ونسبت إليه وحده ما لا يقل عن 13 محاولة لقتل عرفات ليس أقلها خلال اجتياح “إسرائيل” لبيروت العام 1982 . وما يزيد من وطأة الاتهام أن “إسرائيل” كانت في غالب جرائم اغتيالاتها للقيادات الفلسطينية تركن إلى الصمت وهو ما اتبعته في شأن هذه القضية .
وإذا ما أضفنا إلى هذا أن مادة البولونيوم لا يمتلكها أشخاص بل دول، وأن هذه الدول قليلة منها “إسرائيل” والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وروسيا، فمن المناسب القول إن رحيل عرفات على تلك الحالة المأساوية جاء في ذروة المحاولات الصهيونية الأمريكية لإزاحته من المشهد السياسي، ما يعني الآن أن أصابع الاتهام موجهة إلى “إسرائيل”، وهنا تبدأ المسؤولية الفلسطينية لحمل الأسرة الدولية الاضطلاع بمسؤوليتها من خلال لجنة تحقيق دولية تقف على الحقائق والظروف التي أحاطت بهذه القضية .
السؤال الآن: هل لهذا كان الارتباك “الإسرائيلي”؟ قد يكون مناسباً الإشارة إلى أن الصمت المريب “إسرائيلياً” على رحيل عرفات قد تغير خلال الأيام القليلة التي أعقبت تقرير الخبراء السويسريين بصورة جذرية؛ فقد أصبحت هذه القضية متداولة على ألسنة الساسة “الإسرائيليين” بترديد “النفي” من ارتكاب “إسرائيل” جريمة الاغتيال، والتي باتت مادة صحفية من زاوية الاستخدام الصهيوني لا من أجل الحقيقة .
كمثال قالت صحيفة “إسرائيل اليوم” في عددها الصادر بتاريخ 8 نوفمبر الجاري إن هناك “جهات عديدة معنية بالقول إن عرفات سُمِم بيد”إسرائيل“ولم يمت في سريره ككل البشر في سن متأخرة، وقصتهم تبنى لها أسطورة بطل لم يقاتل فقط من أجل الفلسطينيين، بل مات على مذبحهم” .
والمضحك ما تضيفه الصحيفة أن “على”إسرائيل“أن تستعد لإمكانية أن تخرب جثة عرفات مثل عرفات في حياته فرص الحوار بين الدولة اليهودية والديمقراطية وبين السلطة الفلسطينية”، ومبعث الضحك هنا أن “إسرائيل” ترفض مبدأ الحل العادل والسلام الدائم، وقد أجهضت كل الجهود الهادفة إلى تحقيق هذا الهدف النبيل والذي حاول عرفات تحقيقه .
والمثل الآخر يأتي على لسان الناطق الرسمي باسم الخارجية “الإسرائيلية” بفتال بلومر في وصف تقرير الخبراء الاختصاصيين السويسريين بأنه “تحقيق توجد فيه ثقوب أكثر مما في الجبنة السويسرية”، ما يطرح التساؤل عن معنى هذا التشكيك “الإسرائيلي” في تقرير اختصاصي لم يذكر “إسرائيل” .
ما هو لافت أن “الإسرائيليين” الذين لم يتوقعوا أن الأمور سوف تذهب إلى هذه النتيجة التحليلية علمياً وليس إعلامياً باتوا يتصرفون بارتباك لأنه لم يعد بمقدورهم الحيلولة دون الوصول إلى الحقيقة .
من هنا يصح القول إن عراقيل ستزرع وعقبات ستنصب في هذا الطريق، لكنها تبقى الاختبار المكشوف للقيادة الفلسطينية، فإذا ما ساومت بهذه القضية تكون انزلقت في مساومات في شأن القضايا الفلسطينية وهي وحدها ما كانت خيار عرفات وفي سبيلها بذل جهده ومصيره، ولعل الوقوف أمام ما قبل طلب الأمريكيين من “الإسرائيليين” عدم قتل عرفات هو بوابة الخروج من نفق الجريمة إلى أفق الحقيقة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165924

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165924 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010