السبت 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

إلى متى يبقى لبنان بلا حكومة وأمن وغاز؟

السبت 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par د. عصام نعمان

يعاني لبنان أزمات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية متلاحقة ومتزايدة . فهو منذ نحو خمس سنوات بلا ميزانية، ومنذ نحو ثمانية شهور بلا حكومة، ومنذ نحو عشرين سنة بلا قدرة على إيفاء دين عام، بات حالياً أكثر من ستين مليار/بليون دولار أمريكي، ومنذ العام 2005 في حمأة اضطرابات أمنية متلاحقة حصدت عشرات الآلاف من سكانه، مواطنين ولاجئين ، ومنذ نحو سنتين صار ملاذاً لنحو مليون ومئتي ألف لاجىء سوري لا قدرة له على تحمّل أعباء إغاثتهم، ومنذ نحو ثلاث سنوات في حال العجز عن استخراج واستثمار موارده الهائلة من الغاز والنفط في منطقته الاقتصادية البحرية الخالصة .
البعض يردّ أسباب أزمات لبنان السياسية والأمنية إلى مخطط أمريكي- صهيوني غايته تفتيت الدول القائمة في محيط “إسرائيل” العربي، لاسيما لبنان وسوريا والعراق والأردن، وتحويلها جمهوريات موز تقوم على أسس قبلية وطائفية وإثنية، فلا تستطيع أن تشكّل فيما بينها جبهة قومية قادرة على مواجهة الكيان الصهيوني الاستيطاني التوسعي .
البعض الآخر يردّ أسباب أزماته الاقتصادية والاجتماعية إلى وجود مخطط إمبريالي واسع يرمي إلى إبقاء قطاع الطاقة، لاسيما الغاز والنفط، تحت سيطرة شركات ومصالح طاقوية كبرى عابرة للقارات والجنسيات بغية التحكم بعمليات استخراجه واستثماره وتصديره ونقله وتسويقه والاستفادة من مردوده المالي الهائل .
هذه الأسباب، منفردة أو مجتمعة، أسهمت بدرجات متفاوتة، في استنزاف لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ما أدى، عملياً، الى اهتراء “دولته” وتحوّلها مجردَ نظامٍ سياسي طائفي فاسد تحكمه شبكة سياسية قوامها متزعمون في طوائف، ورجال أعمال وأموال يتعاطون السياسة، ومتنفذون في أجهزة الأمن، غايتهم تقاسم السلطة والمصالح والنفوذ .
لعل أسوأ مفاعيل هذه الأزمات أن كبرى مؤسسات التقويم المالي والاقتصادي العالمية، ولاسيما “ستاندرد آند بورز”، خفّضت تصنيف لبنان الائتماني من درجة “B” الى درجة “B-”، وأحد مصارفه الكبرى من درجة “B” إلى درجة “- B” ومصرفين آخرين كبيرين أيضاً من درجة “B” إلى درجة “C” .
كل هذه الأزمات ومفاعيلها الكارثية لم تؤثر في شبكته الحاكمة ولم تدفعها للارتفاع إلى مستوى التحديات والمخاطر المحيقة بالبلد، وإلى إيجاد الحلول أو، في الأقل، التسويات اللازمة لإخراجه من محنته المتعاظمة .
غير أن لامبالاة أركان الشبكة الحاكمة لم تنتقل عدواها الى قواه الوطنية الحية ولا الى النخبة الملتزمة من مفكريه ومثقفيه ومهنييه . ثمة بين هؤلاء من يتدارس مجموعة من المناهج والآليات والوسائل السياسية والدستورية والقانونية في إطار نظرية الظروف الاستثنائية بغية الإسهام في توفير الحلول والتسويات اللازمة للخروج من المحنة . وثمة قادة سياسيون نافذون ساءهم تأثّر بعض القيادات والأطراف بدول وقوى خارجية وبالتالي جنوحها الى الإذعان لتعليماتها وتوجيهاتها، الأمر الذي أدى إلى تمديد أجل الأزمة الحكومية، وشل المرافق العامة، وتأجيج الأزمات الاجتماعية، وتعميق الضائقة المعيشية، واستشراء الاضطرابات الأمنية في جميع أنحاء البلاد .
لعل أبرز القوى السياسية المعترضة والساخطة على حال الجمود والشلل والفلتان التي تأخذ بخناق البلاد “تكتلُ التغيير والإصلاح” بقيادة العماد ميشال عون . فقد صعّد العماد عون موقفه الاعتراضي على خلفية تجميد ملف النفط والغاز من طرف جهات متعددة . عون لوّح بمواجهة هذه الجهات والقوى بتحرّك جماعي واسع، واعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مسؤولين عن رفض ووقف تلزيم أعمال استخراج الغاز والنفط، مهدداً بأن “آخر وسيلة لدينا هي تجنيد الشعب اللبناني لأن لنا حق التعبير الجماعي، من مدارس وأديرة وعسكر وسائر فئات الشعب” .
مراقبون سياسيون مستقلون فسّروا تهديدات عون بأنها حملة تعبئة لتشجيع وزير الطاقة جبران باسيل على مباشرة تنفيذ أعمال التلزيم بقرارات وزارية صادرة عنه إذا امتنع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة عن دعوة مجلس الوزراء للانعقاد بغية إقرار المراسيم ذات الصلة .
يتذرع بعض أركان الحكم بأن المراسيم اللازمة لتلزيم استخراج الغاز والنفط لا تقع في إطار مفهوم تصريف الأعمال الذي ينص عليه الدستور، وأنها تدابير بالغة الأهمية والخطورة، بحيث تتطلب موافقة مجلس الوزراء مجتمعاً . كما أن فريقاً سياسياً يتخوّف من أن يؤدي تلزيم استخراج الغاز في القطاع رقم 9 من المنطقة الاقتصادية البحرية المتنازع عليها مع “إسرائيل” إلى توتير الوضع الأمني مع الكيان الصهيوني وربما حمله على الاعتداء مجدداً على لبنان .
تردّ قوى سياسية أخرى بأنه لا يجوز عرقلة تأليف الحكومة بذرائع شتى، ثم الدعوة الى وجوب اجتماع مجلس الوزراء لإقرار مراسيم تلزيم استخراج الغاز والنفط . فهؤلاء لا يريدون تأليف حكومة جديدة ولا يريدون أن تتحمل حكومة تصريف الأعمال مسؤولياتها في الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، بغية إقرار وتنفيذ مشاريع بالغة الأهمية والمردود الاقتصادي والمالي .
أما ذريعة التخوّف من ردّ فعل “إسرائيلي” عنيف على لبنان إذا ما بادر الى استخراج نفطه وغازه، فهي دعوى مردودة على أصحابها . ذلك أن “إسرائيل” هي الجهة الخائفة على منشآتها النفطية والغازية في عرض البحر وليس لبنان الذي ليس لديه شيء منها في الوقت الحاضر .
ويكشف البعض أن شركة “نوبل أنرجي” الأمريكية التي تقوم باستخراج النفط والغاز لمصلحة “إسرائيل” من مكمن “تمار” ومكمن “لفيتان” في البحر المتوسط قبالة جنوب لبنان سارعت، بإيعاز من حكومة “إسرائيل”، الى وقف عمليات الاستخراج والى سد الانابيب والأجهزة المتعلقة بها لحمايتها عشية قيام الولايات المتحدة بتصعيد ضغوطها على سوريا وتهديدها بضربة عسكرية . فقد تخوّفت حكومة نتنياهو من ضرب المنصات القائمة فوق مكمنيّ “تمار” و“لفيتان” رداً على العدوان الأمريكي المفترض على سوريا . الدليل الآخر الدامغ على أن “إسرائيل” هي الخائفة من رد الفعل على عدوانها وليس العكس، أن مصادر السفارة الأمريكية في بيروت نفت أخيراً ما تداولته وسائل الإعلام حول رفض “اسرائيل” لمشروع واشنطن لتسوية النزاع بين الطرفين حول المنطقة الاقتصادية الخالصة (مساحتها نحو 860 كيلومتراً مربعاً) مشددةً على أن وكيل وزارة الطاقة الأمريكي سوف يحضر قريباً الى لبنان لمتابعة البحث في مشروع التسوية ذاك . وكانت واشنطن اقترحت تقاسم المنطقة المذكورة بين الطرفين بحيث تكون حصة لبنان نحو 550 كيلومتراً مربعاً وحصة “إسرائيل” نحو 310 كيلومترات مربعة .
لبنان رفض هذا العرض في حينه وأصرّ على حقه بكامل المساحة التي تحاول “إسرائيل” اغتصابها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2165493

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165493 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010