الجمعة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

مصر .. رئيسان خلف القضبان!!

الجمعة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par سامي حامد

شهد المصريون خلال ما يقرب من العامين محاكمة ثاني رئيس لمصر على التوالي .. ففي يوم الـ4 من نوفمبر الجاري مثل الرئيس المعزول محمد مرسي لأول مرة أمام العدالة ليجد نفسه في نفس قفص الاتهام الذي دخله الرئيس الأسبق حسني مبارك في إحدى قاعات أكاديمية الشرطة بضاحية التجمع الخامس بالقاهرة، وهي بالمناسبة محل سكن “مرسي” خلال فترة رئاسته التي دامت عاما واحدا .. والاتهام الذي يواجهه هو نفس الاتهام الذي تم توجيهه للرئيس الأسبق مبارك ألا وهو قتل المتظاهرين .. وإذا كان المصريون أطلقوا على محاكمة مبارك “محاكمة القرن” فإنه يمكن القول بأن محاكمة مرسي يطلق عليها “محاكمة الإخوان”، حيث امتلأ قفص الاتهام بالقيادات الإخوانية دون غيرهم!!
لقد تابع المصريون محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، ولكن ليس بنفس شغف الشعب المصري تجاه محاكمة مبارك التي حظيت باهتمام أكبر، سواء داخل مصر أو خارجها باعتبارها أول محاكمة لرئيس مصري في التاريخ، وربما هذا هو ما أفقد محاكمة مرسي تأثيرها لدى الشارع المصري الذي لا تزال محاكمة القرن عالقة في أذهانه، فتعامل مع المحاكمة الأخيرة وكأنها باتت أمرا عاديا عليه أو على الأقل ليست هي المرة الأولى التي يشاهد فيها رئيسا سابقا في قفص الاتهام .. ورغم ذلك فمشهد محاكمة الرئيسين لم يختلف كثيرا .. إلا أن محاكمة مرسي اختلط فيها الجد بالهزل ولم تخلُ من المشادات الكلامية وتبادل الاتهامات وقليل من الكوميديا في بعض الأحيان!!
ولكن هل نجح الرئيس المعزول محمد مرسي في أن يستدر عطف المصريين الذين جلسوا أمام شاشات التلفزة يتابعون محاكمته، خاصة وأنه بدا للجميع متماسكا وصلبا ومنتشيا منذ إطلالته الأولى وهو ينزل من “الميكروباص” الذي أقله إلى مدخل قاعة المحكمة، حيث لم تظهر على وجهه أي علامات للانكسار؟! يمكن القول بأن أولى الانطباعات لدى العديد من المصريين عند ظهور “مرسي” بهذا الشكل أن هذا الرئيس السابق المتهم الآن لا يزال على موقفه الذي لا يتزحزح والمتمثل بالاهتمام فقط بأهله وعشيرته دون باقي المصريين.. فالطريقة التي أدار بها المحاكمة هو ومن معه من المتهمين الأربعة عشر ترضي فقط الأهل والعشيرة حيث ظهر مرسي متماسكا مرتديا بذلته موجها كلامه لرئيس المحكمة مطالبا إياه بإخلاء سبيله لكونه لا يزال الرئيس الشرعي بينما أدار باقي المتهمين ظهورهم للمحكمة رافعين بأصابعهم علامة “رابعة” كتعبير عن رفضهم تلك المحاكمة!!
هذا المشهد قد يكون أرضى كثيرا أنصار جماعة الإخوان المسلمين وبث في نفوسهم الطمأنينة بأن رئيسهم لم ينكسر بعد، وتلك تبدو وكأنها رسالة للاستمرار في الحشد والتظاهر في الشوارع للدفاع عن شرعية الرئيس ضد ما يصفونهم بالانقلابيين في إشارة إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع .. ويمكن القول إن المشهد داخل قفص مرسي وإخوانه كان من سيناريو وإخراج التنظيم الدولي للإخوان وإن ما فعله المتهمون مجرد تعليمات وأوامر تلقوها من هذا التنظيم الذي لا يزال يواصل اجتماعاته في عواصم عدة وينفق في سبيل ذلك أموالا طائلة في سبيل عودة جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم مصر حتى وإن تطلب ذلك الأمر استخدام العنف وممارسة الإرهاب!!
إذن يمكن القول بأن مرسي وإخوانه من المتهمين قد نجحوا في كسب تعاطف وتأييد أنصارهم من الإخوان ومن تيار الإسلام السياسي، بينما هناك من المصريين من قرأ مشهد المحاكمة بشكل مختلف حيث رأى البعض أن الرئيس الذي تم عزله نتيجة ثورة شعبية عارمة لا يزال مغيبا لا يدري ما الذي يحدث حوله، بينما البعض الآخر رأى أن الرئيس السابق لا يزال يكابر ولا يريد أن يعترف بأن الشعب الذي جاء به إلى قصر الاتحادية هو نفسه الذي أخرجه من هذا القصر نتيجة فشله الذريع في إدارة الحكم، وبأن جماعته هي المسؤولة أولا وأخيرا عن تلك النهاية المأساوية التي أعادتهم مرة أخرى إلى السجون بعد أن ذاقوا طعم السلطة لمدة عام واحد فقط!!
وهناك قطاع كبير من المصريين قرأ مشهد المحاكمة من منظور مغاير تماما، حيث جلس يعقد مقارنة بين محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك ومحاكمة الرئيس السابق محمد مرسي لتأتي النتيجة في النهاية لصالح مبارك الذي نجح في كسب تعاطف العديد من المصريين لمثوله أمام العدالة وهو راقد على سريره الطبي داخل القفص مرتديا الزي الأبيض المخصص للمحبوسين احتياطيا في مشهد لم تشهده مصر من قبل، بينما الرئيس السابق “مرسي” بدا وهو ينزل من “الميكروباص” وكأنه في طريقه لعقد اجتماع رئاسي أو ليفتتح مشروعا من المشروعات وليس متهما سيظهر للمرة الأولى وهو داخل قفص الاتهام في قضية التحريض على قتل المتظاهرين أمام الاتحادية يوم الـ5 من ديسمبر العام 2011 والتي راح ضحيتها عشرة أشخاص وأكثر من مئتي جريح؟!
وإذا كان الرئيس الأسبق حسني مبارك قد امتثل للقضاء بكل الاحترام ورد على قاضيه حينما نادى اسمه “موجود يا أفندم” فإن الرئيس السابق محمد مرسي لم يكتف بإهانة القضاء أيام حكمه وأصر وهو داخل قفص الاتهام على الاستهزاء بالقضاء وتخوينه بعدم اعترافه بشرعية هذه المحاكمة، فضلا عن ارتدائه بدلة رسمية وليس زي الحبس الاحتياطي مرددا لقاضيه بأنه لا يزال الرئيس الشرعي وعلى المحكمة أن تتيح له الفرصة لإدارة شؤون الدولة!!
لقد خسر الرئيس السابق محمد مرسي تعاطف المصريين معه أثناء محاكمته، بينما اكتفى بكسب ود أنصاره ومؤيديه تماما مثل كل خطاباته السابقة التي ألقاها خلال عامه الرئاسي “اليتيم” التي كان يخاطب فيها أهله وعشيرته دون باقي المصريين .. إلا أن جماعة الإخوان يبدو هذه المرة كانت على قناعة تامة بأن شعبيتها التي اكتسبتها خلال عهد الرئيس الأسبق مبارك وصلت إلى أدنى مستوى لها نتيجة سوء إدارتها لشؤون الدولة، ما دفع الملايين إلى النزول إلى الشوارع والميادين لإسقاطها، وبالتالي فهي تعلم أن لا أحد سيتعاطف معها وقياديوها خلف القضبان عكس ما كان عليه الحال أيام نظام مبارك.. فضلا أن اختيار العنف وسيلة لاسترداد السلطة أفقدها ما تبقى من رصيدها في الشارع المصري!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165454

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165454 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010