الجمعة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

الإرهاب وقد بات في عقر الدار

الجمعة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par محمد الصياد

حتى وقت قريب ظل العراق وحده تقريباً في الساحة العربية يعاني تتابع موجات ضربات الإرهاب، موجة وراء موجة، منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في عام ،2003 إذا ما استثنينا سنوات الإرهاب المنظم أو حرب العشرية السوداء (1992-2002) التي عانتها الجزائر اعتباراً من مطلع عام ،1992 بعد إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في ديسمبر/كانون الأول عام 1991 وفازت جبهة الإنقاذ (إخوان مسلمون) بأغلبية مقاعدها على ما أُشيع حينها . ومع ذلك لايزال الجيش الجزائري وقوات الأمن الجزائرية يخوضان حرباً متقطعة ضد نحو 1000 من مقاتلي الجماعات التكفيرية المسلحة . وكما كان الحال في الجزائر في تلك العشرية الإرهابية السوداء، في العراق أيضاً لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تُسجل فيه حوادث تفجير وأعمال قتل وتدمير وتهجير .
واليوم لكأن العدوى العراقية انتقلت إلى اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي، وإن بزخم أقل وببعض التفاصيل المتغايرة جزئياً . إذ في حين يستهدف الإرهاب المنظم في العراق المدنيين الأبرياء أساساً إلى جانب رموز الدولة العراقية، لاسيما الجيش والشرطة، فإنه في اليمن يركز على قوات الجيش وقوات الأمن ومقراتهما وقياداتهما .
ليبيا أيضاً تحولت في أعقاب الفوضى التي رافقت العملية العسكرية الأطلسية والمحلية لإسقاط نظام القذافي في عام ،2011 إلى بؤرة متسعة ومتصاعدة الحدة للإرهاب، من أعمال تفجير باستخدام السيارات المفخخة إلى استهداف مقار السفارات الأجنبية وإلى الخطف والاغتيال والاعتداء على حرمة مؤسسات الدولة .
وبعد سوريا التي أصبحت محجاً للجهاديين التكفيريين الذين راحوا يتقاطرون عليها من كل حدب وصوب، من البلدان العربية والأوروبية وجمهوريات القوقاز وغيرها، هاهي تونس تدشن رسمياً موقعها ضمن مواقع جبهة الحرب التي فتحها تنظيم القاعدة وتفريعاته على امتداد قارات آسيا وافريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية .
وهاهي مصر تقع هي الأخرى في حبائل استهدافات التنظيمات الإرهابية التكفيرية، حيث كثفت الجماعات الإرهابية المسلحة أنشطتها وعملياتها في سيناء في أعقاب سقوط حكم الإخوان بعد ثورة 30 يونيو الشعبية العارمة، في محاولة، على ما هو بائن، لتكريس سيناء قاعدة انطلاق إرهابية للتنظيمات المتشربة بفكر القاعدة العدمي .
وفي المحصلة تبدو المنطقة العربية ولكأن طوفاناً إرهابياً مدمراً يجتاحها من دون أن تكون حتى الآن على الأقل في وارد إظهار الإرادة الصلبة والواضحة للوقوف الحازم في وجهه .
حتى إن أجهزة الإعلام الغربية التي تغطي أحداث الشرق الأوسط، أفردت في المدة الأخيرة مساحات واسعة من تغطياتها لما صارت تطلق عليه صعود القوة الضاربة للقاعدة . فإلى جانب مجلة “الايكونومست” البريطانية التي تداوم على مواكبة هذا التطور حثيثاً والصعود النوعي اللافت لأنشطة تشكيلات تنظيم القاعدة في منطقة الشرق الأوسط والشمال والقرن الافريقيين، فإن الصحف الأمريكية التي تولي اهتماماً خاصاً بأنشطة الجماعات المسلحة المحسوبة على تنظيم القاعدة وتفريعاته، قد لاحظت هي الأخرى مثل هذا الصعود النوعي لأنشطة القاعدة . وقد كتب صقر المحافظين الجدد المعروف جون بولتون مقالا في “نيويورك بوست” بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني 2013 ذكر فيه أن “منطقة الشرق الأوسط قد دبت فيها الفوضى، وأن الربيع العربي لم ينتج عنه خيارات تنموية سلمية مضادة لمنهج القاعدة الإرهابي، وإنما على العكس، فقد شجّع الربيع العربي وساعد على تعميم الظاهرة والخيار الإرهابيين مع صعود الإسلام الراديكالي إلى السلطة في مصر، بما صار يهدد أنظمة صديقة للولايات المتحدة” . ومع أن المقال كُتب بنَفَس كيدي فاقع للنيل من مقاربة الرئيس أوباما الخاصة بمحاربة الإرهاب، إلا أن استنتاجاته تبدو متوافقة مع واقع الحال، للأسف الشديد .
على أن مكمن الخطر الجسيم في ما نقرأه من تطور نوعي لنجاح التنظيمات الجهادية في “النفاذ” السريح والمادي إلى عموم الساحات العربية، يتمثل في زوال الحواجز، التي كانت مصطنعة بحكم الضرورة، بين الاسلام الدعوي التكفيري الذي يزاول نشاطه بكل يسر وأريحية وبين الاسلام الجهادي التكفيري . ولكأننا أمام نوع من أنواع “التطبيع والتساكن” ليس مع فكر القاعدة هذه المرة وحسب (حيث ازداد تجاسر الجماعات المحسوبة على فكر وتنظيم القاعدة، وظهورها المكشوف وتعبيرها العلني عن موافقها ونواياها)، وإنما “التطبيع والساكن” أيضاً مع الوجود المادي للتنظيم، أي مع شخوصه والمتحدثين باسمه، وذلك في سياق علاقة تخادم خاصة أملتها، كما هو واضح، ملابسات ظروف الاستقواء به في معمعان جهالة التحشيد الطائفي المسعور الذي يجتاح طوفانه المنطقة منذ بعض الوقت .
فالإرهاب بهذا المعنى صارت له حواضن تأويه وترعاه، ما أهّله للتكشير عن أنيابه في أوجه الجميع، معلناً عن نفسه باعتباره التحدي رقم واحد الذي يواجه اليوم الكيانات العربية والإسلامية وحضارتها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2178585

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178585 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40