الجمعة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

“إسرائيل الكبرى” على الطريق

الجمعة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par رغيد الصلح

يتصور العديد من العرب، عموماً، والفلسطينيين، بصورة خاصة، أن المفاوضات الجارية بين السلطة الفلسطينية و“إسرائيل” لا تهدف إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، وإنما هي تمهد، في نهاية المطاف، إلى قيام “إسرائيل الكبرى” . الدليل الحاسم على صواب هذه القناعة، من وجهة نظر عربية، هو استمرار أعمال الاستيطان من دون توقف خلال المفاوضات، بل على العكس التعجيل في هذه الاعمال والتوسع فيها كما يدل القرار “الإسرائيلي” الأخير ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة . هذا القرار يعيد إلى أذهان أولئك العرب والفلسطينيين النهج الاستيطاني الذي نفذ خلال الأربعينات، بينما كانت تجري مساعٍ دولية ودبلوماسية مكثفة من أجل إيجاد حل لمشكلة الصراع العربي الصهيوني . منذ ذلك التاريخ تعلم الفلسطينيون والعرب أن البولدوزورات الاستيطانية أخطر بكثير، على أمانيهم الوطنية، من دبابات وآليات القوات المسلحة الصهيونية .
إلى هؤلاء العرب والفلسطينيين توجه جون كيري، وزير الخارجية الأمريكية، بكلمات التطمين والتهدئة . قال الوزير الأمريكي خلال جولته الأوسطية الأخيرة إنه في العمليات التفاوضية “تبرز الصعوبات كما تظهر التوترات، ولكننا في النهاية سوف نتمكن من التغلب عليها” . ولكن هذه الكلمات لم تترك، كما تدل ردود الفعل العربية والفلسطينية على سير التفاوض، والمواقف “الإسرائيلية” التعجيزية تجاه المطالب الفلسطينية، على أن تطمينات كيري كانت في محلها .
لعل من الأسباب الرئيسية على هذا الإخفاق هو أن واشنطن دأبت، كلما واجهت مشكلة من هذا النوع، على ممارسة الضغط على العرب والفلسطينيين لكي يقدموا التنازلات الكبرى، مقابل التنازلات المحدودة أو الوهمية التي تقدمها “إسرائيل” . هذه الممارسة كلفت الرئيس المصري الأسبق أنور السادات والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات حياتهما، ومن الأرجح أن تسعى إدارة الرئيس الأمريكي أوباما، رغم الاختلاف الكبير بينها وبين إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، إلى استخدام النهج نفسه مرة أخرى في إدارتها المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و“إسرائيل” . إذا صح هذا التقدير، فإن الصعوبات لن تبرز بين “الإسرائيليين” والفلسطينيين فحسب، بل وحتى بين الأمريكيين والفلسطينيين أيضاً . وكعينة من هذه الصعوبات التي تبرز على سكة العلاقات الأمريكية الفلسطينية، فإنه من الممكن الإشارة إلى التباينات التالية بين الجانبين:
* أولاً، قضية الاستيطان . الموقف الأمريكي الرسمي تجاه الاستيطان “الإسرائيلي” في الضفة والجولان هو أن الولايات المتحدة تعد هذه العملية غير شرعية واستطراداً أن المستوطنات غير شرعية أيضاً . ولكن كيف يصرف هذا الموقف النظري في السوق التفاوضي بين الفلسطينيين و“الإسرائيليين”؟ تطرق وزير الخارجية الأمريكي إلى هذه القضية خلال جولات التفاوض الفلسطيني “الإسرائيلي” عندما قال إنه “كان من المفضل (في التقدير الأمريكي) لو توقفت أعمال البناء على أهميتها، قدر المستطاع، من أجل خلق الجو الملائم لاستمرار المفاوضات بفاعلية” .
هذه الكلمات الملطفة هي أشبه بضوء أخضر لاستمرار عملية الاستيطان ولا تقارب، بأي معيار، عملية الضغط من أجل إيقافها . لقد استخدم كيري وصف البناء -الحيادي- بدلاً من الاستيطان، وأضفى على الاستيطان طابع الأهمية، فأكسبها مشروعية أمريكية بدلاً من أن يتجنب ذلك بقوله إن لهذه العملية أهمية بالمعيار “الإسرائيلي” . وضمن وزير الخارجية الأمريكية تعليقة طلباً متواضعاً إلى أبعد حد عندما دعا “الإسرائيليين” إلى وقف الاستيطان “قدر المستطاع”، إن الجواب “الإسرائيلي” المعتاد على هذا الطلب هو أن “الإسرائيليين” يمارسون فعلاً الاعتدال والتروي في بناء المستوطنات خاصة أنهم يقومون بتجميد النشاط الاستيطاني بعض الوقت .
تنطلق هذه اللغة “المتفهمة” من موافقة ضمنية أمريكية على المبررات والحجج التي يأتي بها “الإسرائيليون” للترويج للمشاريع الاستيطانية . وتتمحور عملية الترويج حول ثلاثة تبريرات اساسية، كما جاء في مقال للمعلق “الإسرائيلي” يوسي ساريد، ألا وهي التبرير الديني بحجة أن الله منح أرض فلسطين كلها إلى اليهود، والتبرير الأمني الذي يجزم بأن “إسرائيل” بحاجة إلى هذه الأرض لحماية أمنها، وأخيراً التبرير الديمغرافي المستحدث مؤخراً الذي يؤكد أن “إسرائيل” بحاجة إلى توسيع المستوطنات لأنها باتت تضيق بسكانها .
المواقف الأمريكية المفتوحة على مثل هذه التبريرات تتعارض مع الموقف الفلسطيني الذي ينظر إلى أعمال الاستيطان في الضفة الغربية على أنها من باب “خلق الحقائق” التي ترسخ الاحتلال “الإسرائيلي” للضفة الغربية والجولان بدلاً من أن تضع حداً له .
* ثانياً، الموقف تجاه الدولة الفلسطينية . فالإدارة الأمريكية تؤكد تأييدها لقيام دولتين في فلسطين التاريخية . ولكي كيف السبيل إلى نشوء الدولة الفلسطينية؟ ترى واشنطن أنه يمر عبر التفاوض الثنائي “الإسرائيلي” الفلسطيني الذي ترعاه الولايات المتحدة مثلما فعلت في معاهدات السلام العربية “الإسرائيلية” السابقة .
إن هذه الصيغة ترهن نتائج المفاوضات بموازين القوى بين الطرفين المتفاوضين . ومن البديهي أن موازين القوى هذه تميل بشدة لمصلحة “إسرائيل”، ليس في إطار الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” فحسب، وإنما في الإطار الأوسع العربي “الإسرائيلي” . فضلاً عن ذلك، فإن واشنطن ودول الأطلسي، لا تتوقف عن تحسين موازين القوى لمصلحة “إسرائيل” على حساب العرب والدول المناهضة لمشاريعها التوسعية . فهي تمارس ضغطاً شديداً على منظمة التحرير الفلسطينية حتى لا تحسن موقعها التفاوضي عبر اكتساب حقوق العضوية في الأمم المتحدة وفي المنظمات الدولية . وتمارس واشنطن حصاراً تسليحياً على الدول العربية، بما في ذلك الدول الحليفة لها لئلا يتأثر ميزان القوى الإقليمي لغير مصلحة “إسرائيل” .
مقابل هذه الصيغة التي تتبناها واشنطن لقيام الدولة الفلسطينية، والتي سوف تصطدم بالحواجز الاستيطانية والسياسية والعسكرية التي تنصبها “إسرائيل” في وجهها في سياق التمهيد لتحقيق هدف “إسرائيل” الكبرى، فإن الدول العربية والسلطة الفلسطينية تجد في المقاربة الدولية الجماعية صيغة أكثر جدية وواقعية لإقامة الدولة الفلسطينية إذا كان لهذا المشروع بعض الأمل في التحقق .
إن هذه المواقف الأمريكية سوف تسبب المزيد من الإحراج للسلطة الفلسطينية، حيث إن أعداداً متزايدة من الفلسطينيين والعرب سوف تجد في المفاوضات بينها وبين “الإسرائيليين” حلقة جديدة من حلقات التمهيد لإلحاق الضفة الغربية بالكيان العبري وترسيخ الاحتلال “الإسرائيلي” للجولان، وبالتالي تحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى” . إن هذا المشروع لم يعد مجرد وهم صهيوني، بل بات، في ظل التراجع العربي الراهن، مشروعاً قابلاً للتحقيق .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165897

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165897 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010