الثلاثاء 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

ذكرى رحيل عرفات

الثلاثاء 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par أمجد عرار

ذات يوم شديد القسوة من أيام العدوان “الإسرائيلي” على لبنان صيف ،1982 طال القصف كل بيروت تقريباً بما في ذلك محطة الكهرباء، لتغطس العاصمة اللبنانية في الظلام . وفي أحد المباني المهدّمة، اصطدم جسدان مصادفة، ليكتشف المصطدمان أنهما ياسر عرفات وجورج حبش . قال حبش لعرفات: أترى يا أبا عمار أن خطر الموت يجرّنا إلى المكان ذاته والظلام يجمعنا تحت جحيم القصف، فرد عرفات: إنه المصير الذي يوحّدنا .

بعد قرابة عشرين عاماً على تلك الواقعة سئل أبو عمار في ظرف مختلف، وكان محاصراً في المقاطعة، إن كان بإمكانه المقارنة بين حصار بيروت وحصار رام الله على تلك الحادثة قال عرفات: إن حصار رام الله أقسى وأشد، لأن الثورة في حرب لبنان كانت ترد على العدوان وتوجع العدو، تدمّر له دبابات، وتسقط طائرات، ولخص الفرق بالقول: “كنا نُضرَب ونضرِب” .

هذا الاثنين مرت الذكرى التاسعة لاستشهاد عرفات . قبل أسبوع من الذكرى، صدر تقرير الخبراء السويسريين وأكد أن قائد فلسطين ورمزها قد اغتيل مسموماً بالبولونيوم المشع والمادة شديدة السمّية . لم يقل التقرير مَن القاتل؟ لكن الجريمة ليست فردية بالتأكيد، إذ ليس بوسع أي شخص أن يضع يده على مادة البولونيوم . إنها جريمة من ماركة “إرهاب الدولة” .

من نافل القول إن عرفات لو لم يتم اغتياله في العام ،2004 لربما مات ميتة طبيعية قبل العام الحالي أو خلاله أو بعده بقليل . لكنّ اغتياله يخفي دلالات عميقة ومتشعّبة تتجاوز شخص الشهيد إلى صفته التمثيلية والهوية النضالية للشعب الفلسطيني المرتبطة بحقيقة وجود احتلال على أرضه، احتلال ينطوي على كل ما يمت بصلة بالإجرام والإرهاب والتهديد الجذري والجدي للوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية . هذا ما أراد القتلة المجرمون الوصول إليه وتحقيقه من وراء جريمة اغتيال عرفات .

رحل عرفات ورحل بعده حبش، وقبلهما أبو علي مصطفى وأبو جهاد وأبو إياد وسعد صايل وغسان كنفاني وقادة آخرون، واستشهد آلاف الفلسطينيين منذ النكبة وخلال مسيرة النضال الممتدة . ولكن رحلت معهم قيم وثوابت كثيرة وتقاليد صمدت منذ انطلاقة الثورة المعاصرة، وحصل ما خشي كثير من الفلسطينيين حصوله برحيل القادة الكبار، وهو المساس بوحدة الشعب الفلسطيني .

عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تقاتل من الخارج، كانت فصائلها تختلف وأحياناً يكون الخلاف عميقاً وواسعاً، لكنه كان يظل تحت عباءة الحد الأدنى من الوحدة الوطنية . أما ما حصل في قطاع غزة من اقتتال وانقسام بين حركتي “فتح” و”حماس” عام ،2007 فإنه نسف مسلّمات كانت تجمع المناضلين الفلسطينيين أيا كانت فصائلهم وخلفياتهم الفكرية . حدثت مناوشات وأحياناً اشتباكات دامية، لكنّها بقيت محدودة أو حوصرت وظلّت عربة النضال الوطني الفلسطيني على سكّتها . لكن اقتتال غزة قسّم الشعب الفلسطيني وأنشأ حكومتين وواقعين .

كل عام منذ ،2007 نأمل أن تأتي ذكرى استشهاد عرفات متدفّقة بالحس العالي للمسؤولية، مفعمة بالوجدان الوحدوي ذاته الذي كان يجمع القادة الكبار وكل الفصائل . والآن تأتي الذكرى فيما تشتبك حركتا “فتح” و”حماس” كلامياً، ويوسّعان جرح الانقسام ويدفعان عربة التراجع بتسارع أكبر إلى الخلف . ومن المؤسف أن تعمد “حماس” إلى منع إحياء المناسبة في غزة، لذرائع واهية تسيئ إليها ولذكرى قائد قال فيه الحكيم: نختلف معه ولا نختلف عليه .

a_arar2005@yahoo.com



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165473

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165473 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010