الاثنين 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

مهدوية “الإسلام الحزبي” المنتحلة

الاثنين 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par د. عبد الاله بلقزيز

ينتحل “الإسلام الحزبي” لنفسه دوراً مهدوياً في المجتمع من طريق توسله الدين أداة في الدعوة والتعبئة . ويساعد هذا الزعم المهدوي على الفشو في الناس، والرسوخ في الأذهان، أن استثمار الرأسمال الديني في العمل السياسي يصطحب معه وهماً بأن من يسلكون طريق الدين، في الحياة العامة، لا يبغون إلا الصلاح، وتطبيق العدل والنصفة، ولا يسعهم إلا أن يتحلوا بمناقبية وخلقية عالية، فتكون سرائرهم صافية، وأياديهم نظيفة، وغاياتهم رفيعة، ولا يطلبون الدنيا ولا يسعون في توسل منافعها . . الخ . وما أغنانا عن القول إن اقتران هذا الرأسمال الأخلاقي المزعوم مع الرأسمال الديني المستثمر في السياسة عظيم الفوائد والعوائد على من يستخدمه، وخاصة في مجتمعات لم تتميز فيها ملامح السياسة بعد، بسبب ما يعتورها من أخلاط وما يكتنفها من التباسات، ولم يعد فيها الدين - بعد - إلى حيزه الطبيعي: الإيماني - التعبدي الواقع على خط العلاقة العامودية بين الخالق والمخلوق، وذلك بسبب الأشكال المختلفة للتدخل الوسائطي في هذه العلاقة من خلال رهبانيات اكليريكية: تقليدية وحديثة .

انتحال “الإسلام الحزبي” هذا الدور المهدوي المخلص مقترن، إذاً، بانتحال صفة طهرانية، و”عذرية” سياسية يقع بهما استئهال ذلك الدور والقيام به . والدين، بمخزونه القيمي الكبير، يوفر مادة فائضة تقبل التوظيف في هذا المسعى . وقد يكون في جملة ما يسهل على “الإسلام الحزبي” استثمار الرمزانية الدينية - الأخلاقية عاملان: حال الفساد المستشري، سرطانياً، في جسم الدولة والمجتمع، وجدة قوى “الإسلام الحزبي” على مشهد السياسة والسلطة، وخلو تاريخها من سوابق التورط فيه بسبب عدم تقلدها مسؤوليات في إدارة سلطة الدولة . هذه أوضاع مناسبة لرفع معدل الطلب عليها في مجتمعات نخرها الفساد، وعانت نتائجه المدمرة في قوتها اليومي وحقوقها الأساس . ويزيد من مستوى القابلية لتصديق أزعومة الطهرانية أن منتحليها يتقنون استخدام أدوات التجييش، من طريق مخاطبة وجدان مكلوم بالحرمان والشعور بالحيف كما بالخصاصة، بلغة دينية تعلي من درجة الاحتجاجية في خطاب التجييش . مثلما يزيد من معدل الطهرانية المدعاة أن منتحليها يلقون بمسؤولية الفساد والإفساد على من كانوا قبلهم في السلطة، ممن يحلو لهم تسميتهم بالعلمانيين، للإيحاء بأن دواء البلاد والعباد بيد الإسلاميين حصراً: على ما يقول شعارهم المأثور: “الإسلام هو الحل” .

من نافلة القول إن “الإسلام الحزبي” ليس أول من أحدث ظاهرة تسخير الدين في السياسة واستثمار الرأسمال الديني فيها، لكنه أكثر من أمعن في ذلك وأوغل فيه . وانصرافه الشديد إلى ذلك مفهوم جداً لعدة أسباب يهمنا منها اثنان في هذا المعرض:

أولهما أن ركوب الخطاب السياسي صهوة الدين ومفرداته فعل سياسي في غاية التأثير والنفاذ والفاعلية في أوساط الجمهور المخاطب به، لأنه جمهور “مؤمن” ابتداءً، ولأنه قد ينقاد إلى تصديق الرواية الحزبية الإسلامية بأن ما يعبر عنه الإسلاميون هو - فعلاً - موقف الإسلام وتعاليمه في السياسة . . الخ . وهكذا يكتسب موقف “الإسلام الحزبي”، بهذه الطريقة من استغلال الدين، حجية أكبر، وقوة تأثيرية أشد مما لو أنه خاطب مصالح الجمهور بلغة سياسية مجردة من أي مضاف ديني .

وثانيهما أن تأسيس الخطاب السياسي على الدين، واستعارة مفرداته، اختصار لطريق طويل يتطلبه العمل السياسي الحزبي، من أجل بناء مشروعه في الوعي الجمعي، وإنضاج جمهوره بالثقافة السياسية، وتنمية مستوى إدراكه لقضايا المجتمع . فهو يختصر هذا المسار المديد والصعب والمكلف، من طريق مخاطبة الوعي الجاهز بالمفردات التي يفهمها، بل من طريق مخاطبة مشاعر الحرمان والحنق لدى الجمهور، وتجييش احتجاجيته، بلغة تستعير الرمز الديني (لأنه بالغ التأثير)، حتى من دون أن يقترن خطاب التجييش هذا بأي رؤية واضحة لقضايا الاقتصاد والاجتماع والدولة، مستعيضاً عن ذلك كله بعموميات وتسويق أوهام مريحة، ويوتوبيات ما أنزل الله بها من سلطان .

إن انتهاز هذا الرأسمال الديني، وتسخيره في العمل السياسي، أتى حلاً سهلاً لمعضلة بحث قوى “الإسلام الحزبي” عن مكانة معتبرة في الحياة السياسية، إذ هو وفر لها جمهوراً عرمرماً من المحازبين والأتباع، ونفخ الروح في أجسامها التنظيمية وقوتها التمثيلية (العددية)، لكنه دهور السياسة وأتى على قيمها بالهدم والتبخيس، وأدخل مستقبل المجتمع والدولة في نفق كالح .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2178536

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2178536 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40