الأحد 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

المدخل الفعلي لإنهاء المأزق الفلسطيني

الأحد 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par علي جرادات

“الاستيطان جوهر الصهيونية” . هكذا بوضوح لا لبس فيه أكد، (ككل قادة الكيان الصهيوني)، اسحق شامير أحد ملهمي نتنياهو الذي يترأس اليوم حكومة مستوطنين حتى باعتراف جهات سياسية “إسرائيلية” . لذلك فإنه كما حال عشرين عاماً من التفاوض كان من الطبيعي ألا يفضي استئناف التفاوض-بضغط أمريكي- “دون شروط مسبقة”، أي التفاوض لأجل التفاوض، إلا إلى تمادي حكومة نتنياهو في تنفيذ مخططها الاستيطاني التهويدي، من جهة، وإلى تعميق مأزق قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، من جهة ثانية . فستار السرية المفروض بطلب أمريكي على مجريات التفاوض لم يستطع إخفاء أن ثلاثة أشهر من التفاوض لم تنجح في زحزحة حكومة نتنياهو قيد أنملة عن ثوابت الرؤية الصهيونية، بل وشجعتها على المزيد من التطرف السياسي والتشدد الأيديولوجي والتمادي الأمني والعسكري بهدف تمرير الاعتراف بكيانها غير محدد الحدود “دولة لليهود” وترسيم السيطرة على منطقة الأغوار ومعابر الحدود مع الأردن، والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى، ناهيك عن محاولة تمرير اعتماد جدار الفصل العنصري، بما التهم من أراضي الضفة الغربية، أساساً سياسياً للحدود، وصولاً إلى إخراج جوهر القضية الفلسطينية، حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها، من دائرة البحث . وكذا قضية القدس التي يجري تهويدها على قدم وساق وبصورة غير مسبوقة إلى درجة أن يصبح تشريع التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى وباحاته بنداً على جدول أعمال لجنة الداخلية في “الكنيست” .

كل هذا بينما تستهلك أطراف قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها في أزمة انقسامها الداخلي الذي عوض أن يسارع طرفاه إلى إنهائه نجدهما يعمقانه ويحولانه، بلا لبس، إلى صراع على التمثيل السياسي، الأمر الذي يحول دون إطلاق خطة سياسية فلسطينية موحدة تؤدي إلى توفير ركيزة تنظيمية وطنية لتطوير الهبات الجماهيرية المتلاحقة إلى انتفاضة شعبية متصلة ومتصاعدة تستطيع، فيما تستطيع، تفعيل العامل القومي الذي بغير استنهاضه، بالمعنيين الرسمي والشعبي، لا مجال لردع حكومة المستوطنين الصهيونية التي تدعمها، بل ترعاها بلا حدود، سياسة أمريكية ثابتة العداء للشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية والتاريخية . هذا علماً بأن استمرار الانقسام والمفاوضات لن يثمرا إلا استمرار دوران الموقف الفلسطيني في هامش ما تخطط له الإدارة الأمريكية وحكومة المستوطنين الصهيونية، أي تعطيل كل إمكانية لعودة العامل الوطني الفلسطيني إلى مركز الحركة الواسعة والتحولات الكبيرة الجارية في المنطقة والعالم . فحكومة نتنياهو، ككل حكومات “إسرائيل” منذ “مؤتمر مدريد للسلام” في العام ،1991 لديها تصورات مسبقة للتعامل مع الصراع على المستويين الفلسطيني والعربي، ما يعني أنها تدير عملية التفاوض بعقلية تاجر الجملة الذي لا يتعامل مع القضايا بالمفرق . أما إدارة أوباما فتفكر في العامل الفلسطيني كعامل يجب تهدئته وتثبيته لتفادي أن يأخذ مفاعيله وآثاره في مجمل تغيرات موازين القوى في السياسة الدولية ونظامها ومؤسساتها .

هنا يتبدى أن قيادتي منظمة التحرير و”حماس” صارتا أمام حقيقة مرة، جوهرها، أنهما تسيران، وكل منهما على طريقته، على سكة قطار قديم وتغفلان أن السكة تغيرت وأن استمرار سيرهما متعاكسين فيها يعرضهما ومعهما القضية الوطنية للمهالك، ويضعهما سوياً خارج لعبة التحولات العاصفة، إقليمياً ودولياً، بينما تعمل حكومة نتنياهو في السر والعلن، وبالتنسيق الكامل مع الإدارة الأمريكية، على توظيف هذه التحولات لمصلحة أمن كيانها وعدوانيته وتوسعته . تشير إلى ذلك بجلاء التسريبات حول نية إدارة أوباما تقديم “مبادرة تقريب” أو “حل وسط” لضمان تعطيل إمكانية الانفجار الشعبي، بل ولضمان تعطيل استخدام الفلسطينيين لحقهم في الذهاب إلى هيئة الأمم المتحدة والانضمام لعضوية وكالاتها التخصصية . وبالمحصلة ضمان بقاء انقسامهم الداخلي واستمرارهم في المفاوضات بعد انقضاء فترة التسعة أشهر المحددة لها . هذا ما يشي به أن جوهر “المبادرة”- حسب التسريبات الإعلامية “الإسرائيلية” التي “لا تنطق عن الهوى”- يقوم على إعادة تركيز المفاوضات على التوصل إلى حل مؤقت، المرادف ل”الدولة ذات الحدود المؤقتة”، وعلى إرجاء قضايا “الحل النهائي”، أي جوهر الصراع، والاكتفاء بتوقيع إعلان مبادئ عام حولها، ما يشي بأننا أمام محاولة لفرض اتفاق بمضمون اتفاق “أوسلو”، إنما بمسمى جديد يلبي مطلب حكومة نتنياهو التي تريد استمرار المفاوضات إنما خارج مرجعيات القرارات الدولية ذات الصلة بجوهر الصراع، وبما يكفل لها إدارتها وتوجيهها وفقاً لخطة مسبقة تحكمها ثوابت صهيونية راسخة، وليس وفقاً لكونها مفاوضات مع طرف آخر له حقوق وطنية وتاريخية تكفل الحد الأدنى منها قرارات الشرعية الدولية .

بلا ريب تدرك إدارة أوباما أن هذه “المبادرة” غير مقبولة على قيادة منظمة التحرير التي تتأهب، كما يشير العارفون ببواطن ما يدور في اجتماعاتها، لخيار الذهاب إلى هيئة الأمم المتحدة، لكن الإدارة الأمريكية العارفة بمفاعيل الانقسام الفلسطيني الداخلي وانشغال مراكز القوة العربية بهمومها الداخلية، ستضغط بما تملك من قوة ونفوذ سياسي محلي وإقليمي ودولي على قيادة منظمة التحرير، وستعمل على إقناعها بأن القبول ب”المبادرة” الأمريكية المفترضة هو أفضل الخيارات لها، خاصة وأن ثمة جهات داخلها تقبله من أجل الحفاظ على “حصتها” من “السلطة” مع استمرار التلويح بخيار الذهاب إلى الأمم المتحدة، وأن قيادة “حماس” ستجد في ذلك فرصة للحفاظ على “حصتها” من “السلطة” مع مواصلة الهجوم على استمرار قيادة المنظمة في المفاوضات . ما يعني أن ثمة داخل طرفي الانقسام نخب سياسية واقتصادية مفروضة على الشعب الفلسطيني، فيما تغيير هذا الواقع يحتاج إلى هبة وطنية ضد الاحتلال تجعل الانقسام محرجاً، وتعيد التناقض الثانوي إلى الخلف . ما يعني أننا أما لوحة فلسطينية معقدة لا يقوى على معالجتها سوى عقل وطني شمولي يستوعب عناصرها المركبة، تحفزه إرادة سياسية وطنية جادة للخروج من مأزق متعدد الأوجه مدخل الخلاص منه إنهاء الانقسام الداخلي، وتجديد الشرعيات وتوحيد مؤسساتها، وأولاها منظمة التحرير الفلسطينية، بدءاً بمجلسها الوطني، بالانتخاب إن أمكن، وبالتوافق إن تعذر . أما دون ذلك فلن يفضي إلا إلى استمرار تحرك العامل الوطني الفلسطيني كمتغير خارجي وليس في صلب خطة الولايات المتحدة للمنطقة ارتباطاً بمصالحها ومصالح ربيبتها “إسرائيل” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010