السبت 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

متى تتحرك الأغلبية الصامتة؟

السبت 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par د. عبد العزيز المقالح

ما لم يعد يطاق - على مستوى الوطن العربي - هذا الصراع الدموي الدائر بين أقليات من الشرائح السياسية وصمت الأغلبية التي ما فتئت تدفع الثمن وتتحمل أوزار الانقسامات . وما لا يسترعي الانتباه في هذا المشهد المريع أن هذه الشرائح المتقاتلة قد وصلت في خصوماتها إلى درجة يصعب معها العودة إلى طريق التفاهم والمصالحة، وصار واضحاً من خلال الحوارات الفاشلة والبحث المتواصل عن حلول وتسويات لم تنجح، أن كل طرف من هذه الأطراف السياسية يرفض التنازل ولو عن جزئية صغيرة من جزئيات أطروحاته التي يراها في غاية الحكمة والصواب، وأنها تمثل خارطة الطريق المثلى بالنسبة له وللوطن الذي يزعم أنه يمثله ويتبنى مطالبه، ويسعى إلى إنقاذه وإخراجه من المستنقع الذي أوقعه فيه الآخرون! ولا يزالون يصرون على أن يظل يتمرغ في أوحاله .

وإذا كانت الأمور قد وصلت إلى هذا الحد من التنازع غير الموضوعي والإصرار على فرض الطروحات المتناقضة بين تنظيمات لا تمثل في المجتمع سوى شرائح محدودة وقواعد فوقية عديمة التأثير، فإن الأنظار تتجه الآن إلى الأغلبية الساحقة، إلى الشارع، إلى الشعب، بكافة فئاته التي كانت ولا تزال تقف موقف المتفرج على أمور لا تعنيه من قريب أو بعيد، وما لم تتحرك هذه الأغلبية وتتخذ موقفاً إيجابياً وسريعاً مما يحدث، فإن الراهن السيئ سيكون مدخلاً إلى القادم الأسوأ، ومن هنا فإن الصمت عما يحدث وعما سيحدث ليس الصيغة المقبولة من شعوب تمتلك من القدرات الخاصة والعامة ما يجعلها تضع حداً عاجلاً للاقتتال الشرس الذي يدور بين المتخاصمين سياسياً هنا وهناك، ويذهب ضحيته في كل يوم الآلاف من الأبرياء، كما هو الحال - على سبيل المثال - في العراق حيث تقام المجازر على مرأى ومسمع من العالم ومن الشعب الذي كان يثور لأبسط الأسباب ويأبى أن ينحني أو يستسلم .

إن المواطن العادي في أنحاء كثيرة من الوطن لا يحتمل مزيداً من الصبر وهو يرى شرائح سياسية من مواطنيه تتقاتل من أجل خدمة نخبة السلطة ولكي تقدمه كبش فداء لأحلامها، أياً كانت تلك الأحلام عامة أم ذاتية . ولم يعد هذا المواطن البسيط قادراً على العيش في مناخ من الفوضى والقتل المجاني . وهذا المواطن البائس على استعداد ليكون فرداً فاعلاً في كيان الأغلبية المدعوة إلى القيام بواجبها الأخلاقي والوطني والإنساني لمنع هذه الموجات من القتل . ويبدو أن الأغلبية الفاعلة في هذه الأغلبية الصامتة قد وصلت إلى قناعة خلاصتها أنه لا يهم من يحكم بل من يصون كرامة المواطنين، ومن يحفظ الأمن ويحمي حياة الناس من التفجيرات المتلاحقة التي تحصد المئات من القتلى والجرحى في كل يوم لا لهدف معين سوى الوصول إلى السلطة، وتدمير البنى التحتية للوطن، وما كان قد حققه من إنجازات .

إن مقتل المئات من الأبرياء . وفيهم أطفال ونساء وشيوخ، في كل ساعة، وكل يوم من أيام الوطن العربي يجرح المشاعر ويحرك أشد الضمائر موتاً، ومع ذلك تستمر الكراهية الناشبة أظفارها في صدور المتنافسين المتصارعين في أداء دورها الشرير، ويستمر العنف الدموي في تدمير ما تبقى في النفوس من إحساس بالولاء للوطن ومن شعور راقٍ بالمواطنة . لقد شهد الوطن العربي في مراحل سابقة كثيراً من الظلم وسقطت كثير من أجزائه تحت الاحتلال الأجنبي، لكن أبناءه لم يفقدوا توازنهم وعقولهم كما فقدوها في هذه المرحلة . ولم ينتقم منهم طاغية أو محتل أجنبي في الماضي كما انتقموا من أنفسهم في الحاضر، كما لم يشكل بحثهم عن الأمان ونشدانهم للاستقرار في وقت من الأوقات ما يشكله الآن ويقضيه الواقع الراهن .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2166099

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2166099 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010