الخميس 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

العولمة... عالم اكثر تنصتاً

الخميس 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par معن بشور

تل ابيب تتنتصت على كل لبنان...
واشنطن تتنتصت على كل العالم...
بريطانتا تتنصت على برلمان المانيا...
الحليف يتنصت على الحليف... ناهيك بالعدو..
الحكومات تتنتصت على الشعوب... والاحزاب تتنصت على بعضها البعض..
هذه هي صورة مشهد العالم اليوم في ظل العولمة التي بدلاً من ان تفتح الحدود امام الرساميل والسلع والاشخاص، تفتح الاذان في كل الجدران، وتدخل إلى غرف النوم، وتكشف تفاصيل حياة الانسان، وتضرب عرض الحائط بكل الحريات الشخصية، ناهيك عن العامة.
قبل العولمة ، كان التنصت على مقر الحزب المنافس في الانتخابات الرئاسية الامريكية كفيلاً باسقاط الرئيس ريتشارد نيكسون من البيت الابيض عام 1974، بعد العولمة بات التنصت أمراً شائعاً بل ومحل تشجيع باسم مكافحة الارهاب.
قبل العولمة، كان “أنبياء” الديمقراطية الجدد واتباعهم الصغار في بلادنا يتغنون بعالم ينعم بالحرية وبأنظمة لا تقوم إلا على الديمقراطية وبمجتمع خالٍ من كل ارهاب، وبمواطنين متحررين من الظلم والفقر والعوز، ومن اجل تلك “الحقائق الجميلة” و “القيم النبيلة” تحركت جيوش، وقامت حروب، وفُتحت سجون، وأُقيمت معسكرات اعتقال وتعذيب، وجرى تشجيع ما كانوا يسمونه “ارهاباً” وتصديره إلى من كانوا يعتبرونهم بلاد المنشأ، بل جرى اعتماده ركيزة اساسية في استراتيجية التقسيم والتكفير والتفتيت والاجرام والابادة الجماعية....
قبل العولمة، حمل “رسل” العالم الجديد وادواتهم من المثقفين الصغار، صغار القدرات وصغار القامات، إلى كل المنتديات والمنابر والمحافل في بلادنا وفي كل انحاء العالم، “الرسالة” الجديدة، أو “الدين” الجديد، رسالة الاستتباع لسيدة هذا العالم الجديد، ورسالة الخضوع والرضوخ والاذعان لمشيئتها، فهي “تعرف” مصلحتكم ايها الشعوب اكثر مما تعرفون، وهي تريد ان تقودكم باساطيلها إلى “بر الامان”... اما من يرفض الاستتباع والخنوع فهو رافض للحرية وللديمقراطية، وعدو لحقوق الانسان، وتابع للديكتاتوريات، وشريك في الاستبداد وربما الفساد.
بقي شرفاء الأمة واحرار العالم عقوداً في مواقع الدفاع امام حروب الشائعات التي لا تتورع عن كل اتهام، وحروب الاتهامات التي لا تتورع عن استعمال كل صنوف الكذب، وحروب التشويه التي لا توفّر سبيلاً لشيطنة رموز أو احرار أو شرفاء إلا وتستخدمها مستفيدة أيضاً من تطور وسائل “العولمة” لا سيّما وسائل الاتصال وعلوم “الفوتوشوب”، وآليات التكنولوجيا المتطورة في خدمة هذه الاهداف.
بل بقي شرفاء الأمة واحرار العالم يواجهون ابشع أشكال الهجوم عليهم، فيحرضون الرفيق على الرفيق، والاخ على أخيه، والأبن على أبيه، والجار على جاره، والمواطن على المواطن الآخر، عبر استخدام كل المتاح لهم من وسائل الايقاع بين الناس، بل من وسائل الترغيب والترهيب، مستغلين بعض اصحاب النفوس الضعيفة، والحاجات الملحة، والعصبيات البلهاء، كأدوات في آلتهم الجهنمية هذه، آلة التحريض والفتن والانشقاقات، والاحتراب الاهلي....
حتى جاءت الايام لتكشف ما كان مستوراً وأن ما أرتكب من المظالم باسم العولمة ضد حرية الانسان، كما حرية الشعوب والامم، يفوق كل وصف، وان ما أرتكب من جرائم باسم الحرية فاق ما كان يتهم به ابشع الديكتاتوريين وأكثرهم فاشية واستبداداً.
فهل من يحاسب اليوم من ضلّل الناس عقوداً باسم عولمة ناعمة في المظهر، متوحشة في الجوهر، بل هل من يعيد الاعتبار لأولئك الذين ميزوا بين الاستفادة من ايجابيات ثورة المعلومات، التي اختبأت خلفها العولمة، وبين رفض السلبيات العديدة المرافقة لها، لا سيّما تلك التي ارادت ان تتحول إلى ايديولوجيا باسم محاربة الايديولوجيات، والى مصدر لإحكام الظلم والاحتكار والفقر باسم العدالة والحرية وحرية السوق والتنمية...
كنا نريد عالماً اكثر أنصاتاً لبعضه البعض، فإذ بنا اليوم امام عالم اكثر تنصتاً على بعضه البعض.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2165768

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165768 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010