الجمعة 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

كيري والمواقف اللفظية

الجمعة 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par أمجد عرار

حين يصف جون كيري الاستيطان بأنه غير شرعي، فإنه لا يأتي بجديد أو يخترع الماء الساخن . صحيح أن هذا الوصف غاب لسنوات عديدة لمصلحة وصفه بأنه “عقبة في طريق السلام”، لكن هذا الوصف موجود في أدراج الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض منذ عام ،1967 حيث تنظر واشنطن والعديد من الدول أن الاستيطان هو ما تبنيه “إسرائيل” في الأراضي التي احتلت في ذلك العام .

من البديهي القول إن وصف “غير شرعية” أقوى من عبارة “عقبة في طريق السلام” الأشد ميوعة وضبابية، لكن كلا الوصفين يلعب على حبل الكلام والمواقف اللفظية التي لا تغني ولا تسمن من جوع، بدليل أن هذا الكلام يتردّد على لسان ما يسمى المجتمع الدولي منذ قرابة نصف قرن، ولم يكن هذا الكلام طوال هذه الفترة سوى شيك من دون رصيد . أكثر من ذلك، إن الموقف الأمريكي من الاستيطان وكل ما يتعلّق بالصراع العربي - الصهيوني، كان الأدنى والأضعف بين المواقف الدولية .

وطالما أن كيري أدلى بتصريحاته في أراضي السلطة الفلسطينية، فإن الحد الأدنى لموقف يرد عليه ينبغي أن يكون بلا مجاملة أو طلاء، كأن يقول له الجانب الفلسطيني المفاوض إن الاستيطان ليس قصيدة تقتضي رداً لغوياً نقدياً يبدأ بالكلام وينتهي بالكلام . الاستيطان فعل ميداني تتساوى إزاءه المواقف اللفظية سواء كانت ناعمة أو خشنة . كان ينبغي القول لكيري إنه إذا كان حديثه عن العلم الأمريكي والفلسطيني مسبقاً بأن الاستيطان سيستمر، يتطابق فيه العلم مع القبول بالأمر الواقع، فإننا في غنى عن تصريحاته التي لا تخرج عن دائرة رفع العتب .

لم نسمع من المسؤولين الفلسطينيين كلاماً يرتقي إلى مستوى هذا الركن المصيري في القضية الفلسطينية، وفي واقع الأمر فإن التعامل مع الاستيطان كتفاصيل وليس كمبدأ، طبع عملية التسوية منذ بداياتها في مدريد ثم في أوسلو حيث أفضت ثلاث سنوات من التفاوض العلني والسري إلى وضع قضية الاستيطان مع شقيقاتها، حق العودة والقدس، على رف التأجيل لما أسميت مفاوضات الوضع الدائم، علماً بأن حل المشكلات الكبرى يبدأ بالقضايا الأساسية والمعقّدة (إذا سلّمنا باللغة الدبلوماسية) . لكن إذا وضعنا بالاعتبار أن القضية الفلسطينية ليست مشكلة جانبية أو مناوشة حدودية يمكن معها تدوير الزوايا، فإن الأرض التي يجري الصراع عليها وحولها، والتي جبلت بدماء آلاف الشهداء منذ إطلاق المشروع الصهيوني عليها، تستحق مواقف فلسطينية وعربية صلبة لا تساوم ولا تسمح بالتلاعب بالألفاظ .

الترجمة العملية لهذا الكلام، وحتى لا يتقاطع مع لفظية الموقف الأمريكي، تتمثّل بالوقف التام للمفاوضات مع “إسرائيل”، وتجهيز موقف مقتضب يقال لكل من يتدخّل على خط التسوية، وفحواه أن لا مفاوضات قبل تعهّد “إسرائيل” علناً، والتزامها فعلياً، بالوقف التام للاستيطان، وإعلانها المسؤولية عن نكبة الشعب الفلسطيني وما يترتب على هذا الإعلان من قبول القرار الدولي 194 الذي ينص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وموافقتها على إنهاء الاحتلال، وقبل كل ذلك إطلاق سراح الأسرى في سجونها . بهذا يكون التفاوض على تنفيذ استحقاقات، ولا تبقى دوراناً في حلقة مفرّغة، فيما مشروع النهب والعدوان “الإسرائيلي” على الأرض يسير باتجاه نهاياته المقررة .

a_arar2005@yahoo.com



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010