الجمعة 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

سوريا التي لا يقرر السوريون مصيرها

الجمعة 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par محمد قواص

في سوريالية عجيبة يتعاملُ فرقاء الصراع في، وحول سوريا مع المعطيات المعلنة والمتوفرة بصفتها أدلة النصر القريب. في كل لحظة يتقدم خبر ميداني أو سياسي أو أمني، محلي أو دولي، يتلقفه اللاعبون حجة لأعراض الإطاحة المقبلة بالخصم. في ديناميات ذلك أن الجميع، من سوريين وعرب وعجم، لا يؤمنون البتة بفكرة التسوية وأنصاف الحلول التي ما برحوا في موسكو كما في واشنطن يبشرون بها.
يتسع معسكر النظام السوري للمؤيدين بيولوجيا وللمدافعين ظرفيا. وراء الحكم في دمشق تقف إيران قلبا وقالبا، بالمال والسلاح والرجال (وهو أمر باتوا في طهران يعترفون به دون خجل)، كما في السياسة والدبلوماسية والإعلام. في مسلّمات ذلك استنفار نفوذ طهران في العراق ولبنان، كما لدى الشيعة في العالم (قولا وفعلا) لرفد الجهد الحربي الدمشقي ضد الخصوم «العملاء والإرهابيين والتكفيريين، أذناب الرياض والدوحة وأنقرة، جواسيس واشنطن وتل أبيب…» واللائحة تطول.

في التصنيف السابق تحضر البيولوجيا المشتركة، وربما الكيمياء الواحدة، التي تجعل من أصحابها منصهرين في معركة حقيقية واحدة تحدد مصير الواحد كما مصير الجميع. رحيل النظام في دمشق يعني آليا رحيل منظومة أيديولوجية سياسية أمنية، فيما الدفاع عن البوابات الدمشقية، نظاما وحزبا وعائلة، هو دفاع عن بقاء وديمومة نمط إقليمي زحف باطراد منذ الإطاحة بعرش الشاه في طهران.

في المناسبة السورية تجري دعوة روسيا لأخذ مقعد رئيسي (إذا لم يكن المقعد الرئيسي) على الوليمة الدولية الكبرى. الأمر بالنسبة لموسكو موسم عابر من مواسم الزرع والحصاد. وكما هي حكايات الزرع والحصاد، فيها ما يزدهر في الربيع وفيها ما تطيح به ثلوج الشتاء المبكر. المسألة مقامرة لا مجازفة فيها إن كانت خاسرة. فروسيا تلعب بأموال وأرزاق الغير، تخسر من مال الغير إذا خسرت، وتقطف حصتها المريحة من ثمار اللعبة إن أينعت (ينبغي مراقبة التقارب القادم بين القاهرة وموسكو).

إلى معسكر دمشق تتقدم بحذر أقدام جديدة. لم يعد عنوان الصراع ثنائية تقليدية بين سلطة ومعارضة، أو بين ربيع طموح وخريف متقادم. بات الميدان ورشة تاريخية للتيارات الجهادية من «نصرة» و»داعش» وتوابع «القاعدة. بات الحقل فضاءَ تناطح بين الإسلاموية الإقليمية (حتى بطبعتها الإخوانية) وخصومها. باتت الساحة مسرح تقاطع دون تلاقي بين خصوم النظام الإقليميين، (وإلا كيف نقيم تعايش السعودية وقطر وتركيا حول المسألة السورية).

هي الصدفة التاريخية التي صنعت الكيان السوري بحدوده الحالية. غابت القبضة العثمانية عن بلاد الشام أوائل القرن الماضي، فتولت الصراعات الدولية (الفرنسية البريطانية خصوصا) رسم الحدود وسلخ أراض (خليج الإسكندرون، ومساحات كبرى شمال حلب، قلما أثيرت قضيتها، لصالح تركيا)، كما جرى التسليم بوحدة معيّنة، عهدناها منذ الاستقلال، حين رفض السوريون أنفسهم تقسيمهم إلى دول متفرقة (علوية وسنية ودرزية … إلخ)، دون أن ننسى الدور البريطاني في مناكفة الحليف الفرنسي وإجباره على التخلي عن مشاريعه التفتيتية.

هي صدفة تاريخية أخرى تجري هذه الأيام لصناعة مصير آخر لنظام الحكم في الكيان السوري، وربما صيرورة البلد برمته. في قلب تلك الورشة الكبرى يمارس كل اللاعبين مزاجهم العبثي بمزاجية يومية لا تأسف على أمس ولا تهتم بغد. تنسحب الدوحة مؤقتا من الملف السوري لتعود إليه بعد الإطاحة بإخوانييها في مصر، لكنها هناك (أي في سوريا) تسرّبُ إشارات ملتبسة حول علاقة تقاربية قادمة مع نظام دمشق.

تعبُر مصر- السيسي نحو خيارات طهران- دمشق (نكاية بأنقرة أردوغان)، رغم التعاطف السعودي الكبير مع تحولات 30 يونيو (جنونٌ هذا التقاطع المفترض هناك بين القاهرة والدوحة المتنافرتين). ويُنقل عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تمسّكه بنظام دمشق خوفا من أن يضخم أي بديل قوة حماس المنافسة. وحدها السعودية تخوض معركتها ضد عالم (للمفارقة شرقا وغربا) يقف على رمال متحركة عجيبة تلِدُ هذا السجال- العتاب بين الرياض وواشنطن.

هي قصة الساعات الأخيرة للمعركة الكبرى. في أية لحظة قد تعلن نهاية الرواية وسقوط أبطال وصعود أبطال، والكل يعمل على إبطال النهايات الحزينة وإبدالها بالنهايات السعيدة (وطبعا لكل سعادته الخاصة). تسخُنُ الجبهة العلوية- السنيَة في طرابلس شمال لبنان. يسرّبُ مسرّبٌ أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بعث برسائل استجداء للحاكم في دمشق (ينفيها المرسل والرسول). يكثر الحديث عن معركة القلمون الحاسمة وامتداداتها البنانية. يهدد سيرغي لافروف من موسكو بإقصاء الائتلاف المعارض، فيما يتولى نظيره جون كيري إقناع الرياض بإقناع نفس الائتلاف على التوجه نحو جنيف. يبشّر السيد حسن نصر الله اللبنانيين، ومن وراءهم، بالنصر المحسوم. تعتبر موسكو مشاركة إيران في جنيف2 أمراً مطلوباً. السعودية وحتى إشعار آخر ما زالت ترفض كل المقاربة الدولية الجديدة لإيران.

على مسرح المأساة السورية سيلعب كل اللاعبين كل الأدوار. وسيلعب كل لاعب الدور ونقيضه بين ليلة وضحاها. يسوق سياق المصالحة الدولية مع طهران إلى تطبيع مع الشيعية السياسية بتفرعاتها الحوثية في اليمن، والمتمردة في البحرين وحزب الله في لبنان، وأحزاب الأغلبية في العراق (ولزيارة المالكي لواشنطن حكايات في هذا الإطار). في آليات الحدث ابتعاد عن السنيّة السياسية التي تفسّر التباين مع خيارات الرياض، ومقت لمنتوجات الجهاد والجهاديين، والعودة لإستراتيجية قديمة- جديدة عمادها محاصرة الأغلبية الكبرى بالأقليات الصغرى.

رغم أن التصادم سوري والدماء المسفوكة سورية، إلا أن حصّة السوريين (نظاما ومعارضة) في تحديد مصير بلدهم ستكون محدودة. لن تنعم المعارضة (الطبعة الحداثية المعتدلة على الأقل) بما تطمح إليه في سوريا الجديدة. ولن ينعم النظام بـ»مِلكٍ لم يحافظ عليه». العالم مُجمعٌ على هوية النظام وهواه، لكنه ما زال يبحث عن معارضة على هواه.

على ذلك قد لا ينجح السوريون في الحفاظ على وحدةٍ عَملَ الخارج بعد العثمانية على تفتيتها دولا على قياس الطوائف. وقد يفشل السوريون في إنتاج تسوية سورية بيتية (على شاكلة «طائف» اللبنانيين). عندها لا مفر من أن يقرر الخارج وحده- بهامش أوسع من بدايات القرن الماضي- مصير الحجر في سوريا بغض النظر عن إرادة البشر في سوريا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165450

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165450 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010