الأربعاء 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

كيري وتهدئة التوتر

الأربعاء 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par فيصل جلول

لم يبخل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على مستقبليه المصريين بكل أنواع العبارات المطمئنة خلال زيارته القصيرة للقاهرة الأحد الماضي . فقد أكد “وجوب إجراء انتخابات حرة وعادلة تشترك فيها كافة القوى السياسية”، ويكاد هذا المطلب أن يكون ترداداً حرفياً لما أعلنته الحكومة المصرية الانتقالية من أنها ستجري انتخابات نيابية ورئاسية حرة في الربيع المقبل، وفقاً لخريطة الطريق التي اعتمدتها بعيد خلع محمد مرسي، وأن هذه الانتخابات ستكون شفافة ويمكن لمن يرغب من الأجانب حضورها والشهادة على مجرياتها . وأضاف كيري أن بلاده “ستواصل العمل مع الحكومة المصرية المؤقتة” ليقطع بذلك الشك حول عزوف واشنطن عن التعاون مع “الانقلابيين” كما يروج الإعلام المؤيد للرئيس المخلوع وبعض الإعلام الأمريكي .

وأوضح كيري في تصريح آخر “أنا واثق من نوايا الحكومة المؤقتة الديمقراطية” ما يعني أن ما جرى في مصر في 30 يوليو/ تموز الماضي ليس انقلاباً وإنما مبادرة تصحيحية قام بها أناس من ذوي “النوايا الديمقراطية” . وفي السياق طلب من المصريين عدم تمديد حال الطوارئ التي تنتهي في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري . ولا نعرف بعد ما إذا كانت الحكومة ستلبي هذا المطلب أم لا . علماً أنها أكدت في مناسبات مختلفة أن قراراتها نابعة من مصالحها، وليس من مصالح الغير، وبالتالي ليس لأحد الحق في إملاء هذا النوع من المطالب على الحكومة المصرية .

وأخيراً خفض الوزير الأمريكي إلى الحد الأدنى قرار تجميد المساعدات لمصر حين اعتبر “أن العلاقات بين البلدين لا يمكن اختصارها بالمساعدات”، وأن إجراءات التجميد ليست قصاصاً وبالتالي فإن واشنطن لا تريد معاقبة القاهرة وإنما الاطمئنان إلى سير العملية الديمقراطية .

وطمأن كيري في تصريحات اخرى عقب مغادرته القاهرة المصريين إلى أن بلاده ستظل حليفاً أساسياً لهم، وذلك في رد ضمني على تصريحات لوزير الخارجية نبيل فهمي أكد خلالها أن مصر ستحافظ على أمنها عبر تنويع علاقاتها وتحالفتها الدولية .

يفصح ما تقدم عن اعتراف أمريكي صريح بالاطاحة الشعبية بالرئيس السابق محمد مرسي وعلى قبول ضمني بمحاكمته مع قيادة الإخوان المسلمين وذلك ليس فقط عبر التصريح الضمني وإنما عبر التوقيت أيضاً . وللعلم فإن الإدارة الأمريكية كانت تطالب بإطلاق سراح الرئيس السابق وتعتبره شرعياً . ويشمل الاعتراف الأمريكي السيرورة الديمقراطية المقبلة وفق خريطة الطريق، ولعل لقاء كيري بالرئيس عدلي منصور ووزير الخارجية المصري والفريق أول عبدالفتاح السيسي في هذه اللحظة بالذات ينطوي على رسالة للإخوان المسلمين بأن عليهم من الآن فصاعداً أن يراهنوا في تحركاتهم على حسابات مختلفة من دون تأييد أمريكي وربما غربي . ولربما من غير المستبعد أن نستمع في مستقبل قريب إلى دعوات أمريكية “للإخوان” بالانخراط في مصالحة وطنية مع الحكومة الجديدة .

بالمقابل يبدو أن الحكومة المصرية ليست راغبة في تعظيم “الانتصار” الجديد والحاسم في صراعها مع “الإخوان المسلمين” رغم الحبور الذي بدا واضحاً في تعابير الفريق أول عبدالفتاح السيسي أثناء استقباله جون كيري، والراجح أن ما تريده ليس العودة بالعلاقات الأمريكية المصرية إلى سابق عهدها فحسب، وإنما الإفادة منها في تنويع علاقات مصر الخارجية وبالتالي العمل وفق التكتيك الناصري الشهير خلال الحرب الباردة والقاضي بعدم تقييد القاهرة بحلف استراتيجي مع طرف واحد، والخضوع له والارتباط به، وإنما الاحتفاظ بهامش واسع للمناورة من خلال علاقات متنوعة مع أكثر من قطب دولي .

وتفصح الأجواء الإعلامية المصرية المحمومة هذه الأيام عن رغبة جامحة في بناء علاقات وثيقة مع موسكو التي أعطت للمصريين ضمانات قوية حول استعدادها لتزويدهم بأفضل أنواع الأسلحة والمصانع والقروض الميسرة لقاء تسهيلات في قناة السويس للبواخر الحربية الروسية .

والواضح أن الشهية السياسية المصرية لدى القادة الجدد تتعدى ثنائية العلاقات مع واشنطن وموسكو إلى الصين و”دول البريكس”، وثمة من يشير في العاصمة المصرية إلى عزم الحكومة الحالية وربما الحكومات المقبلة على استعادة سياسة الدوائر الناصرية الثلاث، وبالتالي إيلاء أهمية استثنائية لدور مصر العربي ولحضور مصري قوي في الفضاء الإفريقي .

هل ينجح الفريق الجديد في ترجمة هذا الطموح إلى وقائع تعيد لمصر دورها المحوري بعد غياب طويل في الفترة المباركية؟ الجواب بنعم قاطعة عن هذا السؤال ليس ميسراً بعد وإن كانت مؤشرات عديدة ترجحه، ذلك أن شروط العلاقات المصرية الأمريكية الاستراتيجية السابقة كانت تنطوي على هرمية تكبل الحراك السياسي المصري الخارجي، وتحصره في هوامش ضيقة للغاية ناهيك عن الضغوط “الإسرائيلية” التي كانت تنجح دائماً في تحجيم الدور المصري وكبح طموحات القاهرة المشروعة .

ويبقى المؤشر الأهم على هذا الصعيد، هو ربط الحكام الجدد لشرعيتهم بالعودة إلى استراتيجية الدوائر الناصرية وبالتالي نزوعهم نحو التحرر من القيود الغربية القديمة وصيانة أمن بلادهم عبر علاقات متنوعة، وهذا يعني بنظرهم أن جودة العلاقات مع أمريكا ورقة مهمة لعلاقات جيدة مع روسيا والصين وليس العكس، وإن تم ذلك فهذا يعني أن ثورة 30 يونيو لم تكن تهدف إلى تغيير حاكم والمجيء بآخر وإنما تغيير قواعد الحكم وأهدافه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165243

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165243 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010