الأحد 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

بمناسبة قطع الكهرباء عن قطاع غزة

الأحد 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par منير شفيق

عندما يعلن، رسمياً، وقف العمل في المحطة الرئيسة للتوليد الكهربائي في قطاع غزة. وذلك بعد أن ضاعفت سلطة رام الله أسعار النفط إلى الضعف دفعة واحدة، ومن دون أية مسّوغات طارئة على أسعار الاستيراد أو إبداء أية أسباب لهذا القرار الذي أدّى فوراً إلى وقف العمل في المحطة وفرض الظلام الدامس على أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني.
وبهذا يُترك القطاع بلا كهرباء عدا بعض الكابلات القادمة من الكيان الصهيوني لبعض مناطق شمالي القطاع، أو من مصر لبعض المناطق جنوباً. ومن ثم فإن قطاع غزة سيتعرض إلى توقف الكهرباء لإثنتي عشرة ساعة متواصلة يومياً إذا ما استمرت المصادر المتناقصة من الآن فصاعداً.
يجيء هذا القرار ليُطبق الحصار النفطي على قطاع غزة الذي يُطبقه كل من الكيان الصهيوني، والسلطات المصرية بعد أن أمعنت في هدم الأنفاق وتشديد الإغلاق للمعابر بين مصر وقطاع غزة.
طبعاً الحصار المضروب على قطاع غزة يشمل كل المواد الضرورية للعيش أو المواصلات أو البناء، أو تلبية الحاجات الضرورية للبنية التحتية، وتوفير سبل الحياة. وقد ضُرِبَ هذا الحصار رسمياً من قبل الحكومة الصهيونية منذ العام 2007، وشاركتها الإدارة المصرية في زمن حسني مبارك رسمياً. ولكن مع غض النظر إلى حد بعيد عن الأنفاق التي كانت تخفف من الحصار، وتؤمن للقطاع إمكان الاستمرار في تحويله قاعدة عسكرية للمقاومة استعصت على الجيش الصهيوني في حرب 2008/2009. وحققت انتصاراً عسكرياً عليه. الأمر الذي أدخل المعادلة الاستراتيجية العسكرية بين جيش الكيان الصهيوني والمقاومة المسلحة في مرحلة جديدة ذات بعد تاريخي لم يكن من الممكن تصوّر حدوثه بهذه السرعة بعد 2007.
إن تحوّل قطاع غزة إلى قاعدة مقاومة عسكرية مستعصية على العدو الصهيوني، إلى جانب الإنجاز الاستراتيجي التاريخي الذي حققته المقاومة في لبنان، يعنيان أول ما يعنيان بداية إنهاء دور التوسّع أمام الجيش الذي أعدّ نفسه للوصول إلى أية عاصمة عربية بسرعة الدبابة، كما يعنيان من جهة أخرى إمكان الانتقال إلى الهجوم مستقبلاً. وهو ما أعطى مؤشرات عليه من خلال ما اكتشف من أنفاق عبرت من حدود القطاع إلى الداخل الفلسطيني.
إن أول تفسير لا يحمل الشك لقرار سلطة رام الله بإغلاق محطة الكهرباء الرئيسة في القطاع كونه جاء مباشرة بعد اكتشاف الكيان الصهيوني لنفق داخل الأراضي التي تحتلها من فلسطين. مما أزعج السلطة من جهة لما يرمز إليه من تطوّر للمقاومة في القطاع، لا سيما في ما يتعلق بقضية تحرير الأسرى باعتبار تحريرهم الكامل أصبح مرتبطاً إما بأسر جنود صهاينة وإما بانتفاضة شعبية واسعة مصممة ومتواصلة. ولكن هذا الإجراء من الجهة الأخرى يشكل مشاركة فعالة في الحصار الذي يضربه الجيش المصري على قطاع غزة. وهو حصار دونه من حيث قسوته ما مُورِس في عهد حسني مبارك. بل يمكن القول أن الجيش المصري في تلك المرحلة كان يغض النظر عن اختراقات الحصار عبر الخنادق وما كان يَصل من خلالها إلى القطاع.
بالنسبة إلى محمود عباس، فإن مشاركته الكيان الصهيوني في حصار القطاع غير مبرّرة مهما كانت الخلافات بينه وبين حماس، فهذه الخلافات يجب أن تحلّ بأشكال أخرى. لأن العمل لتجريد القطاع من السلاح وهدم أنفاقه الداخلية، من ثم إدخاله في الإطار الذي دخلته الضفة الغربية والقدس في عهد محمود عباس (وسلام فياض كذلك) يشكل كارثة استراتيجية على مستقبل الصراع ضدّ العدو الصهيوني، ومن ثم على القضية الفلسطينية.
هذا من دون التطرق إلى الأبعاد الإنسانية لما يعنيه الحصار من إبادة جماعية لجزء كبير من الشعب الفلسطيني مما يشكل طعنة للقضية الفلسطينية، كما يشكل سابقة خطيرة بالتعاون المباشر، مع العدو الصهيوني.
أما بالنسبة للسلطات المصرية، فبالرغم من وقوفنا الحازم ضدّ أي تدخل فلسطيني سياسي أو إعلامي أو عملي في الصراع الداخلي في مصر، عدا مدّ يد المساهمة في المصالحة إذا ما قبِل بها الطرفان أو الأطراف المعنية، فإن موقف تلك السلطات من هدم الأنفاق وتشديد الحصار عبر تكرار إغلاق المعابر حتى على الدخول والخروج من القطاع، ناهيك عن حاجياته الحياتية والعمرانية، غير مبرّر مهما أطلق من أسباب، حتى لو كان بعضها يحمل درجة من الصدقية. لأن كل ما قيل أعلاه في نقد موقف عباس ينطبق على الحالة المصرية. ولكن يمكن أن يُضاف سبب آخر هو الإضرار بالأمن القومي المصري إذا ما ضربت قاعدة المقاومة العسكرية في القطاع. وهذه مسألة غير قابلة للخلافية من الناحية العسكرية إذا ما قرر العدو شنّ حرب ضدّ مصر أو العكس.
طبعاً لم تطرح هذه المسألة – مسألة الأمن القومي – على محمود عباس لأن موضوع الأمن القومي الفلسطيني لا يعنيه، ولا يدخل في حساباته، ويعتبر المقاومة المسلحة حتى للاحتلال والاستيطان مرفوضة من حيث أتى.
إن الأمة العربية والشعوب الإسلامية كافة من جهة، والتاريخ، من جهة أخرى، لن يرحما كل من يحاصر قطاع غزة من فلسطينيين أو مصريين أو عرب ومن ثم يسهم في نزع سلاحه، ناهيك إذا ما مرّ ذلك عبر بحر من الدماء الفلسطينية.
فالذين يحرّضون على الفتنة الدموية في ما بين الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو ما تستهدفه دعوات الانتفاض في 11/11/2013، يرتكبون جريمة تاريخية ليس بسبب الفتنة فقط، وإنما أيضاً، بسبب العمل على ضرب المقاومة المسلحة أو إضعافها أو إرباكها. ولن يجد ذلك من مسّوغ له، أبداً، مهما ضخّم من الخلافيات مع حماس. فالقطاع الذي تحوّل إلى قاعدة مقاومة مسلحة، والذي استطاع أن يصدّ عدوان 2008/2009، والذي شنّ الحرب ضدّ العدو الصهيوني طوال سبعة أيام رداً على اغتيال الشهيد أحمد الجعبري وما تلاه من قصف، وهو مكسب استراتيجي عظيم للشعب الفلسطيني كله ولمصر وللعرب والمسلمين وأحرار العالم. فكيف يجوز أن يُضرب بحجة العداء لحماس واستهدافها.
فالمطلوب، بدلاً من ذلك، أن يرفع الحصار عن القطاع، ويعود حفر الأنفاق، ويُدعم القطاع قاعدة مقاومة عسكرية، فيما تتضافر كل القوى الفلسطينية لدعم الشباب والشابات العاملين على إطلاق انتفاضة شاملة ضدّ الاحتلال والاستيطان والتهويد في الضفة الغربية والقدس. وهو دعم يجب أن يُعزّز بدعم من العرب والمسلمين وأحرار العالم حتى نضمن الانتصار في تحقيق هذين الهدفين الآنيين الجليلين على طريق تحرير فلسطين



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2165642

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165642 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010