الجمعة 2 تموز (يوليو) 2010

قمة الثماني للتقشف

الجمعة 2 تموز (يوليو) 2010 par د. عبد العزيز المقالح

حصيلة مخجلة هي تلك التي خرج بها الأقطاب الثمانية الممثلون للدول الأغنى في العالم، والتي يبدو أنها تسير بخطى حثيثة لكي تصبح وفي زمن قياسي من الدول الأفقر، بعد أن كانت قد وصلت إلى ذروة من البذخ والثراء الفاحش لا يكون بعدها إلا الانحدار، نظراً إلى أن أعباء الذروة أكبر وأقسى من أعباء السفح والحضيض . لقد كان كل شيء في القمة المذكورة يشير إلى حالة من الهلع نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية، وفشل الحلول المقترحة والمتناقضة، وما رافق الحديث عنها من اختلافات ورؤى تجعل كل دولة من الدول الثمان جزيرة مقفلة ومحاصرة بمشكلاتها وهمومها وحساباتها ومخاطرها النوعية .

والملاحظ بوضوح أن أقطاب القمة الثمانية حاولوا قدر الإمكان أن يقللوا في كلامهم العام والمفتوح، من خطر الأزمة الاقتصادية على مستقبل شعوبهم، وأن يتجاهلوا أسبابها الحقيقية المتمثلة في الحروب الفاشلة، والعودة إلى أزمنة الغزو والقرصنة التي تكونت منها ثروات بعض الدول المشاركة في القمة، والتي قام اقتصادها وتطورها على نهب الشعوب وسلب ثرواتها، وما تزال ترى أن أساليبها القديمة القائمة على السطو والغزو هي الوسائل الممكنة للخروج من الأزمات، وما فعلته الولايات المتحدة وحليفاتها الاستعمارية في العراق وما تفعله الآن في أفغانستان، لم يكن في حقيقة الأمر سوى التطبيق العملي لاستعادة الماضي الاستعماري بكل بشاعته ووحشيته، وكأن هذه الدول لا تدري أن الزمان قد اختلف، وأن الشعوب الحرة على استعداد لمواجهة كل أساليب الفتك والتقتيل والتخريب بالمقاومة والتحدي المدمر للغزاة مهما كانت الخسائر وبلغت التضحيات . إن الخوف من أن يقود التقشف هذه الدول الكبرى إلى الفقر هو - من دون شك - وراء كل المآسي التي تعاني منها شعوب العالم . في حين أن الإنفاق المتزايد على مصانع الأسلحة وامتيازات الجيوش، من أهم الأسباب المؤدية إلى الأزمة الاقتصادية لهذه الدول الكبرى، وسيتضح في وقت قريب، إن لم يكن قد اتضح، أن الغزوات والبحث عن الثروات الملطخة بدماء الأبرياء، لن تحل الأزمة المتصاعدة ولم تكن إلا ضرباً من السراب والخداع الأخير للنفس الشريرة التي تبحث عن سعادتها من شقاء الآخرين وتعاستهم . وكم كان مهماً ومطلوباً أن يقف الثمانية في لحظة صراحة وصدق مع النفس لتقييم الحروب التي تم ارتكابها في الماضي والحاضر، وما ترتب عليها من مآس وآلام ومن خسائر في الأرواح والأموال، وأن قتل الإنسان البريء واقتحام أراضيه تحت ذرائع ومبررات كاذبة، لا يصنع اقتصاداً ولا ينمي ثروة ولا يصدر عنه سوى نتيجة واحدة بالغة السوء، وهي تعميق الكراهية وتنمية الأحقاد .

وعليه، هل تستطيع الدول العظمى والكبرى أن تدرك حقيقة واحدة من أهم حقائق الوجود، وهي أنه من المستحيل أن يظل الأغنياء أغنياء، وأن يظل الفقراء فقراء، وأن تبقى الدول الغنية غنية والفقيرة فقيرة، لأن ذلك يتنافى مع حقائق الوجود، ويكفي للتدليل على ذلك أن الصين الدولة الفقيرة النامية باتت هي الدولة العظمى والكبرى في هذا الوقت، وإن كانت بذكاء محسوب لا تدّعي ذلك ولا تتباهى بما وصلت إليه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165249

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165249 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010