الثلاثاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

سراب المصالحة الفلسطينية

الثلاثاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par معين الطاهر

شكّل السعي نحو مصالحة سلطتي رام الله وغزة ممرا اجباريا لكلا الطرفين خلال السنين الماضيتين يتحتم عليهما عبوره ، كل بطريقته ، و وفق حساباته ومعاييره ، لكن هذا العبـور لم يهدف الى انهاء الانقسام ، أو تحقيق وحدة جناحي الوطن الجغرافية والسياسية ، بقدر السعي الى تجاوز منعطف ، والسعي الى الاستفادة من متغيرات اقليمية أو محليه ، او الالتفاف عليها باتجاه الامل في تغيرها ، تمهيدا للتموضع في مواقع جديده ، تتيح استئناف الحوار من موا زين قوى وشروط جديده. بحيث أضحى هذا الحوار مطلوبا لذاته ، وشيبيها بالمفاوضات التي تلد أخرى. في منتصف 2011 بلغ الحوار وحديث المصالحة أوجه. تفاءل الكثيرون بقرب تحقيقها وبدأ بعضهم يتحدث عن اجراءات تنفيذية مثل لجان تسجيل الناخبين ، والسعي لتشكيل حكومة توافق وطني أو تكنوقراط ، وايجاد المخارج الدبلوماسية لتجاوز شروط الرباعية بخصوص مشاركة حماس وتشكيل الحكومة العتيدة. يومها عتب علي العديد من الاصدقاء لكتابتي مقال مضمونه أن هذه المصالحة التي يعلو صوتها لن تتجاوز المراوحة في ذات المكان وستبقى بين الترقب والانتظار نحو معطيات جديدة ، وأن استمرار الحديث عنها يحقق مصلحة آنية مشتركه للطرفين ،لكن دون الولوج فيها , مما يفترض تنا زلات عميقه قد تصل الى تغيير المسار والهويه. في منتصف 2011 كانت المفاوضات متوقفة ، والسلطة الفلسطينية عاقدة العزم على التوجه الى الامم المتحدة . الادارة الامريكية مرتبكة امام المتغيرات في العالم العربي . نظام مبارك قد انهار وفقدت السلطة حليفا قويا . شروط الرباعية لم تعد لها أوليه في ظل هذه المتغيرات وتضاؤل فرص العودة للمفاوضات . السلطة بحاجة الى موقف فلسطيني موحد يمكنها من الحفاظ على ذاتها ومواجهة هذه المتغيرات. حماس حققت تقدما واضحا في مصر التي اصبحت مركزا اساسيا لعدد من قياديها . لم يعد مطلوبا منها الانخراط في التسوية والمفاوضات الغير متاحه اصلا. وبر ز بها اتجاه يدعوا الى الاستفا دة من هذه الظروف عبر المزيد من الانفتاح على المجتمع الدولي . ليس مطلوبا من احد أن يقدم تنازلات جوهرية ، و الكل بحاجة الى وقت ليعرف اين تستقر الاوضاع ، وكيف يمكنه ان يضمن استمراره وبقائه , او يحسن او يفرض شروطه في مرحلة لاحقه. و اذا كان العالم قد قبل بالاخوان في مصر , فهل يقبل بهم في فلسطين ! ! لذا ليعلو الحديث عن المصالحه ولتعقد جلسات الحوار لكن الحقيقة تكمن في أن الانتظار هو سيد الموقف. ولأن بلادنا حبلى بالمتغيرات. فسرعان ما تبدلت المواقع. واصبح واضحا عدم وجود أي مصلحة لأي من الطرفين في اعادة فتح هذا الملف من جديد . فثمة معادلة جديده تصاحبها شروط و تحفظات مختلفة عن سابقتها . حماس الان فقدت حظوتها في مصر بعد انهيار سلطة الاخوان فيها . وتدمير الانفاق , واغلاق معبر رفح لفترات طويله, والحصار على قطاع غزه , وما يخلفه من آثار اقتصادية واجتماعيه وأمنيه . علاقاتها العربية وتحديدا الخليجية تراجعت الى نقطة الصفر في سياق الحملة على الاخوان . ربما باستثناء قطر التي تشهد بدورها انكماشا في دورها الاقليمي بعد انتقال السلطة فيها. المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينة والعدو الصهيوني اصبحت تجري على قدم وساق ، وسط حديث متزايد عن احتمال التوصل الى ما يعرف بحل الحدود المؤقته على مساحة 60% من مساحة الضفة مع وعود اقتصادية , و اخرى تتعلق باستئناف مفاوضات الحل الدائم خلال بضع سنين . اي صورة مكررة لاتفاق اوسلو سيئ الصيت. ان اي اتفاق مع حماس في ظل هذه الظروف من وجهة نظر السلطة سيلقي بطوق نجاه لحماس . فمن جهة ، يرفع عنها الضغط المصري ، و من جهة أخرى سيضع قيودا على حريه ومرونه تحرك السلطة في المفاوضات التي يرى البعض أن مجرد استمرارها يعطي لسلطة رام الله مبررا لبقائها و وجودها. نخلص من ذلك انه الاتجاه نحو المصالحة . بل و حتى الحديث عنها يتعارض مع مصلحة السلطة الفلسطينية , التي تعتقد ان خصمها المتمثل في سلطة غزة يتراجع , وتوجه له الضربات سواء على مستوى حماس ام الحركة الاكبر الاخوان. كما ان يد السلطة يجب أن تبقى طليقة في المفاوضات والمسار السياسي , دون تأثير او مشاركة من أي قوة اساسيه في الداخل الفلسطيني . حماس من جهتها تعي تماما ان أي حديث عن مصالحة في مثل هذه الظروف تعني الانضواء تحت جناح السلطة الفلسطينية والموافقة على نهجها السياسي ، ومنحها الشرعية في المفاوضات التي تجريها. بمعنى آخر مطلوب منها أن تنزع ثوبها وتغير هويتها وتصبح فصيلا محليا ينضم الى جوقة الفصائل التي تعزف بلا صوت أو فعل. على ماذا يراهن الطرفان ؟ ينصب رهان السلطة على استمرار الضغط المصري و العربي على حماس و حركة الا خوان المسلمين , و تدهور الاوضاع المعيشية في قطاع غزه . بالتزامن مع محاولتها الوصول الى نتائج في المفاوضات الجارية مع العدو . و حشد التأييد العربي الرسمي لنتائج هذه المفاوضات. وحينها يصبح خيار اجراء انتخابات في ألضفة وحدها خيارا مرجحا. أما غزة فيترك أمرها لمرحلة لاحقة تحدد مصيرها وفق نتائج الحصار الذي تزداد حلقاته احكاما . وربما معركة عسكرية جديده يتكفل بها العدو على امل اضعاف القدرات العسكرية للمقاومة و زيادة الضغط الشعبي عليها. حماس وعينها على الضفة تتوقع حدثا فيها , اما نتيجة فشل المفاوضات , او نتيجة حماقات العدو المتغطرس اليومية , وممارساته تجاه الاقصى او الاستيطان. .. . هي تنتظر تغييرا جديدا في المعادله العربية والاقليمية. وتراقب ما يحدث في مصر وسوريا . ولعلها رأت في ارتباك الموقف الامريكي و الغربي , وتراجع احتمالات الضربة الامريكية لسوريا , ان لا ثوابت في الرمال المتحركة في منطقتنا. وثمة مؤشرات قوية على اتجاه نحو اعادة بناء محور للمقاومه على مستوى المنطقة قد يكون ما زال حلما عند البعض , لكنه يزداد قوة كلما اقتربنا من حل سياسي للازمة السورية. من زاوية أخرى تحاول حماس ترتيب امورها في غزه , عبر دعوة الفصائل الاخرى مشاركتها في ادارة القطاع . هذه الدعوة التي جاءت متأخرة بضع سنيين. وفي ظرف قد لا يكون مواتيا للعديد منها. على ان العنوان الابرز سيكون بلا شك في مدي قدرتها على تعزيز جبهتها الداخلية , أو في الصمود امام عدوان عسكري صهيوني جديد مرتقب و متوقع مع تصاعد الاحداث. على قاعدة أن الضربة التي لا تقتلني تقوييني . ان اي حديث عن مصالحة , وان كان قد خفت صوته في الاونة الاخيره لهو محض وهم وسراب . فالمصالحة ليست اجراءات ادارية أو تنظيمية . بقدر ما أصبحت تمس عمق الجوهر السياسي والوطني وتحولاته في المنطقة بأسرها .وتبقى الخيارات الحقيقيه متمثلة في نتائج ما يجري الان فوق ارض فلسطين والمنطقة بأسرها ضمن مسيرة الصراع الطويلة والمستمرة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165859

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع معين الطاهر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165859 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010