الأربعاء 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

السوريون بين ثقافة الخوف ونزع الثقة

الأربعاء 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par هوازن خداج

الخوف بمعناه النفسي العام- الفردي أو الجماعي- يشكل سمة من سمات الإنسان فهو جزء من غريزة حب البقاء، وهو الذي يشكل رادعا لخوض غمار التغيير أو الخروج عن المسار المألوف. فسياسة الخوف من التغيير السياسي كانت واحدة من أهم السدود المنيعة التي حجبت دور المواطنين في سوريا رغم تجذر حالة عدم الرضا والرفض الشعبي للسلطة الأمنية وممارستها على مر عقود.
لقد وجدت ثقافة الخوف من مواجهة السلطة ما يعززها عبر إرث تاريخي كبير ساهمت الأديان بشكل كبير في خلقه. إذ أوجبت طاعة الحكام والأئمّة والأساقفة والآباء والأزواج. فالمسيح يؤكد على إعطاء مال قيصر لقيصر. ويحث على عدم التدخل في الشأن السياسي العام مقدما طاعته حتّى «الموت على الصليب». والدين الإسلامي يشرع سياسة الخوف والإقصاء عبر التأكيد على أن القوة هي مصدر شرعية الحكم هذا ما أتى على لسان شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول: «حاكم ظلوم خير من فتنة تدوم». والفقه المالكي يتبنى مقولة «من اشتدت وطأته وجبت طاعته». وغيرها من الأقوال التي شكلت مفصلا في نهي الشعوب عن التصدي للحاكم.

أما الحكم الشعبية والأمثال التي نقلت مخزونا كبيرا من التراث والتجارب أكدت على حالة الانكفاء وعدم التعاطي بالشأن العام، وجعلت من العمل السياسي والمعارضة حالة من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وشكلت جدرانا نفسية صنعها الخوف «حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس»، «اللي يأخذ أمي اسمه عمي»، «امش الحيط الحيط وقل يا رب الستر»، «الحيطان لها آذان» وغيرها.

كانت لغة السلطة واضحة باتجاه تعزيز ثقافة الخوف. فتكميم الأفواه رافق الشعب السوري وشكل معضلة كبيرة تواجه المعارضة السياسية في دفع المواطنين للوقوف خلفها والمطالبة بحقوقهم ومواجهة السلطة التي عززت هذه السياسة بالعصا والسجون والأجهزة الأمنية. وشكلت لجاما شديدا لأي حالة من حالات الحراك المجتمعي، بتهميشها لدور المثقفين وحصارهم من خلال السيطرة الكاملة على كافة مؤسسات المجتمع من قانون وفكر وثقافة وفن وإبداع، ووضع القيود على أي إنتاج فكري أو سياسي من شأنه أن يفعّل دور المواطنين ويساهم في إنشاء علاقات مواطنية فاعلة.

مما لا شك فيه، أن قيام ثورات الربيع العربية شكلت حالة مميزة في كسر العمق الكبير لسياسة الخوف وشكل تحولا في نفسية الإنسان السوري، الذي بات لا يتوانى عن التعبير عن رأيه على صفحات الفيسبوك وفي الشارع. لقد تنوعت الآراء وحملت معها سدود الصمت والخوف التي فرضت لعقود من الزمن وصار المواطن السوري قادرا على رفع صوته بالرفض للسياسة القائمة التي أدت إلى انهيار الدولة السورية وسقوطها في العديد من المشكلات الكارثية، من الطائفية إلى التهجير والجوع والإذلال.

لكن المعضلة الأسوأ أن هذا الشعب الذي خلع رداء الخوف لم يجد من المعارضة السورية بكافة أطيافها من يتبنى حاجته للنهوض ومحاولة الخروج من الأزمة، فالمعارضة التي تبنت أقوالها فقط لم تستطيع فتح الأبواب للعمل السياسي المجتمعي.

هذه المعارضة التي مازالت تنوء تحت عجزها عن رسم مسارات جديدة أو تقديم برامج سياسية وطنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ضمن حالة الانهيار العام التي وصل إليها الشعب السوري تؤكد على قدرة السلطة السورية في استثمار سياسة الخوف التي تم نشرها خلال فترة الحكم، وتودي بحلم السوريين إلى الهاوية لتصير رغبة جزء كبير من الشعب السوري بمقايضة المطالب الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الانسان بالأمن حتى لو عادت الحال إلى ما كانت عليه.

هذه الحالة من رغبة العودة إلى الخلف هي مسؤولية المعارضة التي تصر على ابتعادها عن الشارع السوري والجلوس إما في فنادق الخارج أو خلف صفحات الفيسبوك مقدمة خدمة لا تضاهى للنظام، معلنة فشلها بالنزول إلى الشارع والقيام بدور فاعل من أجل تنظيم الشعب الذي حلم بإيجاد البديل الحقيقي للنظام القائم، ولم تقدم له أي نهج فاعل بل عرضت له خلافاتها ولهاثها لوضع يدها بيد الغرب أو تأكيد دعمها للمجموعات التكفيرية الدينية، التي زادت الوضع سوءا.

الشعب السوري الذي عاش أمدا طويلا في حالة السلبية والخوف، أودت به المعارضة إلى اليأس والعجز عن اتخاذ خطوات واضحة لنيل حقوقه المسلوبة ولمواجهة التحدي السياسي، وعززت حالة عدم الثقة بها رغبة العودة إلى ماض التسلط والعدمية مقابل الحصول على الأمن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010