الثلاثاء 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

هل ينعقد “جنيف -2” الشهر المقبل؟

الثلاثاء 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par غسان العزي

منذ انتهاء مفاوضات جنيف في يونيو/حزيران من العام الماضي والتي انتهت باتفاق غامض لا يزال الأمريكيون والروس مختلفين على تفسيره، لم يتوقف السعي لاستكمال هذه المفاوضات بأخرى تحت عنوان “جنيف-2” على خلفية حرب تزداد استعاراً من الناحية العسكرية وتعقيداً من الناحية السياسية . لكن مع بروز مؤشرات انفتاحية جديدة بعد الاتفاق على تفكيك الأسلحة الكيماوية السورية الذي يجري بطريقة مرضية عوضاً عن انفتاح أمريكي على إيران وروسيا، وعلى حلول سلمية لكل الملفات الشائكة في المنطقة عاد الكلام عن “جنيف-2” مع مؤشرات على امكانية انعقاده، حتى أنه تم تحديد تاريخ لهذا الانعقاد ولو بشكل غير رسمي بعد .

أول من ذكر تاريخ 23-24 نوفمبر/تشرين الثاني موعداً لافتتاح مفاوضات “جنيف -2” كان نائب رئيس الوزراء السوري “المعارض” قدري جميل . واكتسب إعلانه المفاجىء مصداقية مع عودة الأخضر الإبراهيمي إلى الصورة والحركة وتأكيده هذا التاريخ بالتحديد، ما يعني أن كلام جميل لم يأت من عبث .

لكن الرئيس بشار الأسد،في مقابلته التلفزيونية الأخيرة نفى أن تكون شروط انعقاد مثل هذه المفاوضات قد توفرت . بل إنه كان في هذه المقابلة أشبه بمن يعلن انتصار النظام القريب على معارضيه منه بمن يستعد لتقديم تنازلات في مفاوضات مقبلة تسعي لوقف حمام الدم . فإعلانه النية للترشح لولاية ثالثة ينهي سلفاً أية إمكانية للتفكير بوضع حد لهذه الحرب التي أضحت عبثية، بل إنه يسهم في استمرارها ،كما أكد وزير الخارجية الأمريكي تعقيباً على كلام الأسد . فالجميع باتوا يعرفون اليوم أن المشكلة، في بعدها الداخلي السوري على الأقل (ينبغي ألا ننسى أبعادها الدولية والإقليمية التي تزيد من تعقيدها) باتت تتمحور إجمالاً حول بقاء أو رحيل الأسد ودائرته الضيقة أكثر منها حول شكل النظام السوري المقبل . ومن المؤكد أن مجرد إعلان الأسد قبوله عدم الترشح لولاية ثالثة ك”تضحية” منه على قربان المصلحة الوطنية والقومية العليا، يمكن أن يفتح السبيل الواسع أمام حل للأزمة . وبالعكس فالإصرار على البقاء في السلطة، وإن كان من قبيل المناورة السياسية، ليس من شأنه إلا إضافة تعقيد كبير على أزمة باتت مستعصية على الحل .

وهكذا يبدو واضحاً أن الأسد لا يزال مؤمناً بالحل الأمني الذي تبناه في مواجهة الثورة عليه منذ اندلاعها في ساعاتها الأولى . وهو اليوم بات مقتنعاً، أكثر من أي وقت مضى، بأن في إمكانه القضاء على المعارضة المسلحة التي لا يزال الغرب يتردد في دعمها عسكرياً ومادياً في حين تعصف الخلافات بين أركانها، وقد وصلت إلى حدود المواجهات المسلحة الدامية . أما عن المعارضة السياسية في الخارج فالنظام بات مقتنعاً بأنها تخسر، مع الوقت، شعبيتها في الداخل ولحمتها وعلاقاتها بالمعارضة المسلحة على الأرض والتي تبتعد عنها وتفك أواصرها، الضعيفة في الإصل، معها في كل يوم جديد .

على المستوى الدولي تلقى النظام السوري جرعات من الأكسجين مع الانفتاح الإيراني- الأمريكي والخلافات التي نشبت بين الرياض وواشنطن حول طريقة معالجة هذه الاخيرة للأزمة السورية والرضا الأمريكي عن التعاون السوري في تفكيك الأسلحة الكيماوية، كذلك من التقدم الذي يحرزه الجيش النظامي على الأرض، الأمر الذي يزيد من قناعته بالنصر القريب . في هذه الأجواء لا يرى مصلحة في الذهاب إلى مؤتمر (جنيف2) بهدف الاتفاق على مستقبل سوريا الجديدة، إلا إذا كان هو في قمرة قيادتها، الأمر الذي يدرك استحالة الموافقة عليه .

من جهتها، هي الأخرى، لا ترى المعارضة من مصلحة في الذهاب إلى مؤتمر لن يكرس فهمها لاتفاق “جنيف-1” (حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة تؤمن المرحلة الانتقالية من دون الأسد) بل قد يشكل اعترافاً بالتفسير الروسي (حكومة انتقالية في رعاية الأسد الذي تقرر الانتخابات المقبلة بقاءه أو رحيله) .

والمعارضة تعاني ما تعانيه من انقسامات وتردد حلفائها الغربيين حيال دعمها بالسلاح وغير ذلك من مكامن الضعف التي لن تجعل منها محاوراً قوياً على طاولة المفاوضات . ثم إن المعارضة مقتنعة بأن الوقت لا يعمل لمصلحة النظام رغم الدعم القوي له من حلفائه . فالانهاك، الاقتصادي على الأقل، بدأ يفعل مفاعيله وقد تحدث انشقاقات واسعة في الجيش في لحظة مفاجئة وقد تسقط دمشق تحت هجوم مباغت . . إلخ .

وفي اختصار شديد لا شيء يوحي، من الداخل السوري، بأن ثمار التفاوض قد نضجت، عوضاً عن القدرة على تطبيق أي اتفاق يتم التوصل اليه في هذه الظروف . وبالتالي يمكن الاستنتاج بأن الشهر المقبل لن يشهد انعقاد المؤتمر الشهير، فالقوى العظمى لم تتوصل بعد إلى الاتفاق على تقاسم الحصص في منطقة استراتيجية تغطي مساحة الشرق الأوسط الكبير .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178341

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178341 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40