ليس جديدا الكلام عن تقسيم المنطقة العربية، وما زلنا نعيش إلى اليوم كارثة سايكس ـ بيكو، ويكاد يراودنا دائما شعور بأن المنزلق الذي وصله العالم العربي إزاء تقسيمه على شاكلته اليوم، قد استُمرئ شعبيا ولم يعد للشعوب دخل في المكان الذي صادف وجودها فيه على لائحة موقعها المقسم.
أعتقد أن عنصر التقسيم الذاتي إحدى مواهب بعض العرب في ما يسمونه بحثهم عن ذواتهم .. وهم في حقيقة الأمر، مرايا لزمن مقيت، كل ما فيه مزور وجرى غصبا عن الأمة، أبرزها قضية فلسطين التي ثبتت هذا التقسيم وأعطته شرعية ووجودا، وحافظت عليه كي يظل قائما، وهي ترعاه وتتحمل من أجله كل الاحتمالات. كأنما هذا التقسيم قد صنع من أجلها ولأجلها، وكأنما أية بادرة معاكسة قد تهيجها أكثر من العرب أنفسهم.
ترى ماذا عليه واقع التقسيم هذا حين نسمع في ليبيا اليوم من يعلنون إقامة ولاية برقة وتشكيل حكومة من 24 وزيرا وما إلى ذلك .. هل يبكي الليبيون على معمر القذافي الذي اغتالوه وهم أكثر فرحا بصنيعهم، واليوم يرونه المخلص الذي حافظ على وحدة البلاد .. تماما كما هو حال صدام حسين، في مواجهة القدر الصعب الذي يعيشه العراقيون منذ رحيله.
الليبيون يقسمون المقسم، ويعلنون بكل فخار نواياهم دون اكتراث بحق الآخرين في قبول الخطوة أو رفضها. المهم، هو ذلك الشعور الانعزالي الذي نما مع الأيام، مع كل العناد في تحطيمه والذي مارسه القذافي، كما قاومه صدام حسين، وها هو يتجلى فاتحا الباب لتجريب آخر قد يقع في مكان آخر بعلم أصحابه أو دون علمهم.
وإذا شئنا الاعتراف فلا بد من القول إن الخطط الثمينة للاستعمار الجديد والقديم وللصهيونية العالمية المتوافقة معها، بنت قواعد عملها في المنطقة على ثلاث قضايا: الفوضى البناءة، وتفتيت الجيوش، وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ. وليس هنالك على ما يبدو من يريد معاكسة الفكرة التي هي قرار وخطط وانتظار من أجل نضج الفكرة، وهؤلاء الدارسون جيدا لنفسية الشعوب وخاصة العربية، يعلمون أنه عندما تصطدم مصالحها الشخصية (الشعوب) بمعوقات يطول حلها، فهي تطالب بأقرب حل مهما كان، ولو أنه على المدى الطويل قاتل لوجودها ولأجيالها التي ستصعد لاحقا.
لا شك أن شعوبنا الآن تعيش أقصى مراحل تعبها، فهي لم تستفق من أوجاع القضية الفلسطينية وما دفعته من أجلها، حتى هبطت عليها محنة الحراك العربي الذي ليس له شبيه في قساوته وظلاله المستقبلية. وحين أعياها البحث عن زعيم وعن برنامج بعدما رميت في الفوضى، جاء من يقدم لها حلولا لا تستوي مع خلاصها التام، لكنها مرحلية، كتلك التي تلوح في أفق ليبيا مثلا.
أما الباقي، فما زال مرهونا في سقوط سوريا بأيدي المعارضة المسلحة الإرهابية .. إذا حدثت هذه الفجيعة، والواقع يقول العكس بل إن ورقتها طويت تماما، فسنرى دولا عربية بأكملها سوف تهتز تحت وطأة المقسمين، وسيكون هنالك حكومات جديدة متجاوزة العدد الحالي للحكومات العربية .. ألم نقرأ مؤخرا ما أوردته إحدى الصحف الأميركية من أن الدول العربية الحالية سوف تزيد أربع عشرة دولة أيضا ليصبح عددها 36 دولة والحبل على الجرار.
كل ذلك من أجل عيون إسرائيل ولكي تقيم طويلا في أرضنا، بل لتصبح السيدة المطلقة بين دويلات عابثة في مصيرها، تتقاتل فيما بينها وتعيش على موائد الغير.
السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013
طبعة التقسيم المتجددة
السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013
par
زهير ماجد
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
11 /
2165875
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
15 من الزوار الآن
2165875 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 16